عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٦٦
تخريج البخاري لهذا الحديث في صدر حديث: الخير معقود في نواصي الخيل، يحتمل أن يكون سمعه من علي بن المديني على التمام فحدث به كما سمعه، وذكر فيه إنكار شبيب سماعه من عروة حديث الشاة، وإنما سمعه من الحي عن عروة. وإنما سمع من عروة. قولهصلى الله عليه وسلم: (الخير معقود بنواصي الخيل)، ويشبه أن الحديث لو كان على شرطه لأخرجه في البيوع والوكالة كما جرت عادته في الحديث الذي يشتمل على أحكام أن يذكره في الأبواب التي تصلح له، ولم يخرجه إلا هنا، وذكر بعده حديث الخيل من رواية ابن عمر وأنس وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم، فدل ذلك على أن مراده حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه، وقد أخرج مسلم حديث شبيب بن غرقدة عن عروة مقتصرا على ذكر الخيل، ولم يذكر حديث الشاة. انتهى. قلت: قوله: فدل ذلك أن مراده حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه، فيه نظر، لأنه لو كان الأمر كما ذكره يعكر عليه ذكره بين أبواب علامات النبوة لعدم المناسبة من كل وجه، وقال الكرماني فإن قلت: فالحديث من رواية المجاهيل إذا لحي مجهول. قلت: إذا علم أن شبيبا لا يروي إلا عن عدل فلا بأس به، أو لما كان ذلك ثابتا بالطريق المعين المعلوم اعتمد على ذلك فلم يبال بهذا الإبهام، أو أراد نقله بوجه آكد، إذ فيه إشعار بأنه لم يسمع من رجل واحد فقط، بل من جماعة متعددة ربما يفيد خبرهم القطع به. انتهى. قلت: كلامه يدل على أن الحديث المذكور متصل عنده، وأن الجهالة بهذا الوجه غير مانعة من القول بالاتصال، وأن الراوي إذا كان معروفا عندهم بأنه لا يروي إلا عن عدل فإذا روى عن مجهول لا يضره ذلك، وأن الرواية عن جماعة مجهولين لست كالرواية عن مجهول واحد. قوله: (أعطاه دينارا) أي: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم، لعروة دينارا ليشتري له به شاة، وفي رواية أحمد وغيره عن عروة بن الجعد، قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا، فقال: أي عروة أئت الجلب فاشتر لنا شاة، قال: فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار. قوله: (فدعا له بالبركة في بيعه)، وفي رواية أحمد، فقال: (اللهم بارك له في صفقته). قوله: (وكان لو اشترى التراب لربح فيه). وفي رواية أحمد، قال: (لقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي) قال: وكان يشتري الجواري ويبيع.
قوله: (قال سفيان)، يعني: ابن عيينة، وهو موصول بالإسناد المذكور. قوله: (كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث)، أي: الحديث المذكور عنه، أي: عن شبيب بن غرقدة، وقد ذكرنا عن قريب ترجمة الحسن وما للحسن في البخاري إلا هذا الموضع. قوله: (قال)، أي: الحسن بن عمارة سمعه شبيب عن عروة. قوله: (فأتيته)، أي: قال سفيان: أتيت شبيبا، فلما جاء سأله قال شبيب: إني لم أسمعه أي: الحديث من عروة، قال: أي عروة، سمعت الحي يخبرونه عنه أي: يخبرون الحديث عن عروة، وقال بعضهم: أراد البخاري بذلك بيان ضعف رواية الحسن بن عمارة، وأن شبيبا لم يسمع الخبر من عروة، وإنما سمعه من الحي ولم يسمع عن عروة، فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم. انتهى. قلت: لم تجر عادة البخاري أن يذكر في (صحيحه) حديثا ضعيفا ثم يشير إليه بالضعف، ولو ثبت عنده ضعفه لاكتفى بحديث الخيل كما اكتفى به مسلم في (صحيحه) والكلام في سماعه من الحي قد مر عن قريب، على أنه قد وجد له متابع من رواية أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجة من طريق سعيد بن زيد عن الزبير ابن الخريت عن أبي لبيد، قال: حدثني عروة البارقي، قال: (دفع إلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم دينارا لأشتري له شاة، فاشتريت له شاتين، فبعت إحداهما بدينار وجئت بالشاة والدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فذكر له ما كان من أمره فقال له: (بارك الله لك في صفقة يمينك) الحديث. فإن قلت: سعيد بن زيد ضعيف ضعفه يحيى القطان، وأبو الوليد ليس بمعروف العدالة. قلت: سعيد بن زيد من رجال مسلم، واستشهد به البخاري، ووثقه حماعة، وأبو لبيد اسمه لمازة، بضم اللام: ابن زبار، بفتح الزاء وتشديد الباء الموحدة، وقد ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية. وقال: سمع من علي وكان ثقة، وقال أحمد: صالح الحديث وأثنى عليه ثناء حسنا. وقال الكرماني: فإن قلت: الحسن بن عمارة كاذب يكذب، فكيف جاز النقل عنه؟ قلت ما أثبت شيء بقوله من هذا الحديث مع احتمال أنه قال ذلك بناء على ظنه! انتهى. قلت: قد أبشع في العبارة فلم يكن من دأب العلم أن يذكر شخصا عالما باتفاقهم فقيها متقدما في زمانه علماأ ورئاسة بهذ العبارة الفاحشة، ولكن الداعي في ذلك له ولأمثاله أريحية التعصب بالباطل، وقد ذكرنا عن قريب ما قاله جرير بن عبد الحميد من الثناء عليه. قوله: (قال سفيان: يشتري له شاة) أي: قال
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»