عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٣٢
فيه، لأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك، ولا مانع من اشتراك الصنفين في الصفات المذكورة مع اختلاف الجنس. وقال الكرماني: هذان الإقليمان ليسوا على هذه الصفات، ثم قال: أما أن بعضهم كانوا بهذه الأوصاف في ذلك الوقت أو سيصيرون كذلك فيما بعد، وإما أنهم بالنسبة إلى العرب كالتوابع للترك، وقيل: إن بلادهم فيها موضع، يقال له: كرمان، وقيل ذلك لأنهم يتوجهون من هذين الموضعين. وقال الطيبي: لعل المراد بهما صنفان من الترك فإن أحد أصول أحدهما من خوز، وأحد أصول الآخر من كرمان. وقال ابن دحية: خوز، قيدناه في البخاري بالزاي، وقيده الجرجاني: خور كرمان بالراء المهملة مضاف إلى كرمان، وصوبه الدارقطني بالراء مع الإضافة، وحكاه عن الإمام أحمد، وقال غيره: تصحيف، وقيل: إذا أضيف خور، فبالمهملة لا غير، وإذا عطفت كرمان عليه فبالزاي لا غير. وفي (التلويح): هما جنسان من الترك، وكان أول خروج هذا الجنس متغلبا في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة فعاثوا في البلاد وأظهروا في الأرض الفساد، وخربوا جميع المدائن حتى بغداد، وربطوا خيولهم إلى سواري الجوامع، كما في الحديث، وعبروا الفرات وملكوا أرض الشام في مدة يسيرة، وعزموا على دخولهم إلى مصر، فخرج إليهم ملكها قطز المظفر، فالتقوا بعين جالوت فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت، فانجلوا عن الشام منهزمين، ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين، وراحوا خاسرين أذلاء صاغرين، والحمد لله رب العالمين. ثم إنهم في سنة ثمان وتسعين ملك عليهم رجل يسمى غازان، زعم أنه من أهل الإيمان، ملك جملة من بلاد الشام وعاث جيشه فيها عيث عباد الأصنام، فخرج إليهم الملك الناصر محمد فكسرهم كسرا ليس معه انجبار، وتفلل جيش التتار، وذهب معظمهم إلى النار وبئس القرار. انتهى كلام صاحب (التلويح): قلت: هذا الذي ذكره ليس على الأصل والوجه، لأن هؤلاء الذين ذكرهم ليسوا من خوز ولا من كرمان، وإنما هؤلاء من أولاد جنكز خان، وكان ابتداء ملكه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة ولم يزل في الترقي إلى أن صار يركب في نحو ثمان مائة مقاتل، وأفسد في البلاد وكان قد استولى على سمرقند وبخارى وخوارزم الذي كرسيها تبريز، والري وهمدان، ولم يكن هو دخل بغداد، وإنما خرب بغداد وقتل الخليفة هلاون بن طلوخان بن خرخان المذكور، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وقتل من أهله وقرابته خلق كثير، وشعر بنصب الخلافة بعده، وكان قتله في سنة ست وخمسين وستمائة، ثم بعد ذلك توجه هلاون إلى حلب في سنة سبع وخمسين وستمائة ودخلها في أوائل سنة ثمان وخمسين وستمائة، وبقي السيف مبذولا ودم الإسلام ممطولا سبعة أيام ولياليها، وقتلوا من أهلها خلقا لا يحصون، وسبوا من النساء والذراري زهاء مائة ألف، ثم رحل هلاون من حلب ونزل على حمص وأرسل أكبر نوابه كتيعانو مع اثني عشر طومان، كل طومان عشرة آلاف إلى مصر ليأخذها، وكان صاحب مصر حينئذ الملك المظفر، فتجهز وخرج ومعه مقدار اثني عشر ألف نفس مقاتلين في سبيل الله، فتلاقوا على عين جالوت، فنصره الله تعالى على التتار وهزمهم بعون الله ونصرته يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من سنة ثمان وخمسين وستمائة، وقتل كتيعانو في المعركة، وقتل غالب من معه، والذين هربوا قتلهم العرب في البراري والمفاوز. وقال صاحب (التوضيح) تابعا لصاحب (التلويح): إنه في سنة ثمانمائة وتسعين، ويسمى غازان إلى آخر ما ذكرناه عن قريب. قلت: هذا أيضا كلام فيه خباط، وهذا غازان، بالغين والزاي المعجمتين: يسمى أيضا قازان، بالقاف موضع الغين، واسمه محمود، تولى مملكة جنكزخان في العراقين وما والاهما بعد بيدوش طرغاي بن هلاون، وكان قتل لسوء سيرته، وقازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون مات في سنة ثلاث وسبعمائة، والملك الناصر محمد بن قلاو لم يجتمع بقازان ولا حصلت بينهما الملاقاة ولا وقع بينهما حرب، نعم خرج الملك الناصر لأجل حركة قازان في سنة سبعمائة، ثم عاد لأجل الغلاء والشتاء المفرط والبرد الشديد الذي قتل غالب الغلمان والأتباع، ثم خرج في سنة ثنتين وسبعمائة لأجل حركة التتار، وحصل القتال بينه وبين قطلوشاه من أكبر أمراء قازان، فنصر الله تعالى الناصر، وانهزم التتار وعاد عسكر المسلمين منصورا، قوله: (فطس الأنوف) بضم الفاء، جمع: أفطس، وقد فسرناه عن قريب.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»