قوله: (إلى قوله: الشكور)، بعني، إقرأ إلى قوله: الشكور، وهو قوله: * (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) * (سبإ: 31). قال النسفي: أي: وقلنا: اعملوا شكرا، يعني: اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا على نعمه، وشكرا في محل المصدر على تقدير: اشكروا شكرا، لأن اعملوا فيه معنى: اشكروا من حيث أن معنى العمل فيه للمنعم شكر له، وقيل: انتصب: شكرا، على أنه مفعول له، أي: اعملوا لله واعبدوه، على وجه الشكر لنعمائه، وقيل: انتصب على الحال، أي: شاكرين، وقيل: يجوز أن ينتصب: باعملوا، مفعولا به، معناه: أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكرا، على طريق المشاكلة. قوله: (الشكور)، المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه، قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا. وعن ابن عباس: الشكور من يشكر على أحواله كلها، وقال السدي: هو من يشكر على الشكر، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر.
* (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض. الأرضة تأكل منسأته عصاه فلما خر) * إلى قوله * (المهين) * (سبأ: 31 41).
أي: فلما حكمنا على سليمان بالموت ما دل الجن على موته إلا دابة الأرض وهي الأرض، وهي دويبة تأكل الخشب. قوله: (منسأته) أي: عصاه. قوله: (فلما خر)، أي: سقط سليمان ميتا. قوله: (إلى قوله: المهين)، يعني: اقرأ إلى قوله: المهين، وهو قوله تعالى: * (تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) * (سبإ: 31 41). قوله: (تبينت الجن) جواب: لما، أي: لما علمت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب وكانوا يدعون أنهم يعلمون الغيب. قوله: (في العذاب المهين)، أي: في العذاب الذي يهين المعذب، يعني: ما عملوا مسخرين وهو ميت وهم يظنونه حيا.
حب الخير عن ذكر ربي من ذكر ربي أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب) * (ص 1764;: 23). قوله: (حب الخير)، قال الفراء: الخيل والخير بمعنى في كلام العرب، والنبي صلى الله عليه وسلم سمى زيد الخيل: زيد الخير، والخير: المال أيضا. قوله: (عن ذكر ربي)، قال قتادة: عن صلاة العصر. قوله: (حتى توارت)، يعني: الشمس، أي: غابت بالحجاب وهو جبل دون القاف بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه، قيل: معناه حتى استترت الشمس بما يحجبها عن الأبصار، والإضمار قبل الذكر يجوز إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر، وقد جرى هنا، وهو قوله: بالعشي، وهو ما بعد الزوال.
فطفق مسحا بالسوق والأعناق يمسح أعراف الخيل وعراقيبها أول الآية: * (ردوها علي) * (ص 1764;: 13). وهي المذكورة قبله بقوله: * (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) * (ص 1764;: 13). وكان سليمان، عليه الصلاة والسلام، صلى الصلاة الأولى ثم قعد على الكرسي وهي تعرض عليه، فعرضت عليه منها تسعمائة وكانت ألفا، وكان سليمان غزا دمشق ونصيبين فأصاب منها ألف فرس، وقال مقاتل: ورث سليمان عن أبيه داود ألف فرس، وكان أبوه أصابها من العمالقة، وقال الحسن: بلغني أنها كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة، وقبل أن يكمل العرض غربت الشمس ففاتته صلاة العصر ولم يعلم بذلك فاغتم لذلك، فقال: * (ردوها علي فطفق مسحا) * (ص 1764;: 13). أي: فأقبل يمسح بسوقها وأعناقها بالسيف وينحرها تقربا إلى الله تعالى وطلبا لرضاه حيث اشتغل بها عن طاعته. قوله: (يمسح أعراف الخيل وعراقيبها)، والعراقيب جمع عرقوب، وهو العصب الغليظ عند عقب الإنسان.
والأصفاد الوثاق أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وآخرين مقرنين في الأصفاد) * (ص 1764;: 83). وفسر الأصفاد بالوثاق، وروى ابن جرير من طريق السدي، قال: مقرنين في الأصفاد: أن تجمع اليدان إلى العنق بالأغلال، وقال أبو عبيدة: الأصفاد والأغلال واحدها صفد، ويقال للعطاء أيضا: صفد. قوله: * (وآخرين) * (ص 1764;: 83). عطف على قوله: * (الشياطين) * (ص 1764;: 83). أي: سخرنا له الشياطين وسخرنا له آخرين، يعني: مردة الشياطين مقرنين في الأصفاد، يقال: صفده أي: شده وأوثقه.