عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ١٢
كانوا يصعدون إلى السماء فيسمعون من الملائكة ما يكون في الأرض فيأتون الكهنة فيخبرون به فتحدثه الكهنة للناس فيجدونه كما قالوا، وأدخلت الكهنة فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين، كلمة، فاكتتب الناس ذلك، وفشى في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب وجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، فلما مات سليمان تمثل شيطان في صورة آدمي وأتى نفرا من بني إسرائيل فدلهم على تلك الكتب فأخرجوها. فقال لهم الشيطان: إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والطير بهذا السحر، ثم طار وذهب وفشى في الناس أن سليمان كان ساحرا فاتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم خاصموه بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية: * (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان) * (البقرة: 201). الآية.
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) * (سبأ: 21).
أي: وسخرنا لسليمان الريح، وقال في آية أخرى: * (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء) * (ص 1764;: 63). أي لينة حيث أصاب أي: حيث أراد. قوله: (غدوها) أي: غدو الريح، شهر: يعني: مسير الريح شهر في غدوته وشهر في روحته، وقال مجاهد: كان سليمان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر، ويروح من إصطخر فيقيل بكابل، وكان بين إصطخر وكابل مسيرة شهر، وما بن دمشق واصطخر مسيرة شهر.
* (وأسلنا له عين القطر) * (سبإ: 21). أذبنا له عين الحديد أسلنا من الإسالة، وفسره بقوله: أذبنا له من الإذابة، وفسر عين القطر بالحديد، وقال قتادة: عين من نحاس كانت باليمن، وقال الأعمش: سيلت له كما يسال الماء، وقيل: لم يذب للناس لأحد قبله.
* (ومن الجن من يعمل بين يديه) * إلى قوله * (من محاريب) * (سبإ: 21).
أي: وسخرنا له * (من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) * (سبإ: 21). قوله: (ومن يزغ) أي: ومن يمل من الجن عن أمرنا نذقه من عذاب السعير في الآخرة، وقيل: في الدنيا، وذلك أن الله تعالى وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمره ضربه ضربة أحرقته.
قال مجاهد: بنيان ما دون القصور فسر مجاهد المحاريب بقوله: بنيان ما دون القصور، وقال أبو عبيدة: المحاريب جمع محراب وهو مقدم كل بيت، وهو أيضا المسجد والمصلى.
وتماثيل جمع: تمثال، وهي الصور، وكان عمل الصور في الجدران وغيرها سائغا في شريعتهم.
* (وجفان كالجواب) * (سبإ: 21). كالحياض للإبل، وقال ابن عباس: كالجوبة من الأرض الجفان جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة شبهت بالجوابي وشبهت الجوابي بالحياض التي يجبى فيها الماء أي: يجمع، واحدها: جابية، قال الأعشى:
* تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق * ويقال: كان يقعد على جفنة واحدة من جفان سليمان ألف رجل يأكلون بين يديه. قوله: (وقال ابن عباس: كالجوبة) أي: الجفان كالجوبة، بفتح الجيم وسكون الواو والباء الموحدة: وهي موضع ينكشف في الحرة وينقطع عنها.
* (وقدور راسيات) * إلى قوله * (الشكور) * (سبإ: 21).
راسيات: أي: ثابتات لا يحولن ولا يحركن من أماكنهن لعظمهن، وفي (تفسير النسفي): وكانت باليمن، ومنه قيل للجبال: رواسي.
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»