وذلك أيضا مخصوص بحال من الإسلام، فليس على ظاهره، وأيضا هو مقيد بحال سلوك الطريق، فجاز أن يلقاه في غير تلك الحالة. انتهى. قلت: الجواب الأخير موجه، والذي ذكرناه آنفا أوجه من الكل والله أعلم. وفيه فضل لين الجانب والرفق وفيه: فضل عمر رضي الله عنه وفيه حلم النبي صلى الله عليه وسلم غاية ما يكون وفيه: لا ينبغي الدخول على أحد إلا بعد الاستئذان.
5923 حدثني إبراهيم بن حمزة قال حدثني ابن أبي حازم عن يزيد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أراه أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه.
إبراهيم بن حمزة، بالحاء المهملة والزاي: أبو إسحاق الزبيري الأسدي المديني، وابن أبي حازم عبد العزيز بن أبي حازم واسمه ثعلبة بن دينار، ويزيد، بالياء آخر الحروف في أوله: هو يزيد بن الهاد، والهاد أحد أجداده لأن يزيد هذا هو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ويقال: يزيد بن عبد الله بن شداد بن أسامة بن عمرو، وهو الهاد بن عبد الله ومحمد بن إبراهيم ابن الحارث أبو عبد الله التيمي القرشي المديني، مات سنة عشرين ومائة، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي، مات في زمن عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في الطهارة عن بشر بن الحكم. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن زنبور المكي.
قوله: (أراه) أي: أظنه. قوله: (فليستنثر)، أمر من الاستنثار، وهو نثر ما في الأنف بنفس. قاله الجوهري، وقيل: أن يستنشق الماء ثم يستخرج ما فيه من أذى أو مخاط، وكذلك الانتنثار، وقيل: فليستنثر أكثر فائدة من قوله: فليستنشق، لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير عكس، فقد يستنشق ولا يستنثر، والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق، لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه، والاستنثار إخراج ذلك الماء. قلت: ومما يدل على أن الاستنثار غير الاستنشاق ما روى أنه صلى الله عليه وسلم، قال: إذا توضأ أحدكم فليجعل الماء في أنفه ثم ليستنثر، رواه أبو هريرة، وروى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يستنشق ثلاثا في كل مرة يستنثر، وقد مر في كتاب الطهارة في: باب الاستنثار في الوضوء حديث أبي هريرة من رواية أبي إدريس عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر، وفي: باب الاستجمار أيضا من رواية الأعرج عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر..) الحديث، ومرت زيادة الكلام فيه هناك. قوله: (على خيشومه)، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وضم المعجمة، قال الكرماني: هو أقصى الأنف، وفي (التوضيح): هو الأنف. وقال الداودي: هو المنخران والياء فيه زائدة، يقال: رجل أخشم إذا لم يجد رائحة الطيب، وقيل: الأخشم منتن الخيشوم، وقيل: الأخشم الذي لا يجد ريح الشيء أصلا وهو الخشام، والخشم ما يسيل من الخيشوم، ثم ظاهر الحديث يقتضي أن هذا يقع لكل نائم، ولكن يمكن أن يقال: هذا يقع لمن يحترس من الشيطان بشيء من الذكر، فإنه روي من حديث أبي هريرة: أن في ذكر الله حرزا من الشيطان.
21 ((باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم)) أي: هذا باب في بيان وجود الجن، وفي بيان أنهم يثابون بالخير ويعاقبون بالشر، والكلام فيه على أنواع:
الأول: في وجود الجن: فقال الشيخ أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن وإن وجد فيهم من ينكر ذلك فكما يوجد في بعض طوائف المسلمين: كالجهمية والمعتزلة، من ينكر ذلك، وأن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك، وهذا لأن وجود الجن قد تواترت به أخبار الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، تواترا معلوما بالاضطرار، وقال إمام الحرمين في كتابه (الشامل): اعلموا، رحمكم الله، إن كثيرا من الفلاسفة وجماهير القدرية وكافة الزنادقة أنكروا الشياطين والجن رأسا، ولا يبعد لو أنكر ذلك من لا يتدين ولا يتشبث بالشريعة، وإنما العجب