4923 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد أن محمد بن سعد بن أبي وقاص أخبره أن أباه سعد بن أبي وقاص قال استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله قال عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن ثم قال أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.
علي بن عبد الله المعروف بابن المديني، ويعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عمر عن عبد العزيز بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الله فرقهما، وأخرجه مسلم في الفضائل عن منصور بن أبي مزاحم وعن الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد. وأخرجه النسائي في المناقب وفي اليوم والليلة عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وفيه أربعة من التابعين وهم صالح ومن بعده.
قوله: (يكلمنه)، أي: يكلمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (ويستكثرنه)، أي: يطلبن كثيرا من كلامه وجوابه، ويحتمل أن يكون من العطاء، ويؤيده أنه ورد في رواية أنهن يردن النفقة. قوله: (عالية أصواتهن)، هذه الجملة وقعت حالا من الضمير الذي في: يكلمنه، وأصواتهن، بالرفع لأن اسم الفاعل يعمل عمله فعله، وعلو أصواتهن يحمل على أنه كان قبل النهي عن رفع الصوت، أو يحمل على أنه لاجتماعهن، حصل لغط من كلامهن أو يكون فيهن من هي جهيرة الصوت أو يحمل على أنهن لما علمن عفوه وصفحه سمحن في رفع الصوت. قوله: (يبتدرون)، أي: يتسارعن، والجملة حال من الضمير الذي في: قلن. قوله: (ورسول الله، صلى الله عليه وسلم يضحك)، جملة حالية. قوله: (أضحك الله سنك)، ليس دعاء بكثرة الضحك حتى يعارضه قوله تعالى: * (فليضحكوا قليلا) * (التوبة: 28). بل المراد لازمه وهو السرور، أو الآية ليست عامة شاملة له صلى الله عليه وسلم قاله الكرماني. وفيه نظر، والوجه هو الأول. قوله: (يهين) بفتح الهاء من: الهيبة. قوله: (أي: عدوات)، أي: يا عدوات. قوله: (أفظ وأغلظ)، والفظاظة والغلظ بمعنى واحد، هي عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب. فإن قلت: الأفظ والأغلظ يقتضي الشركة في أصل الفعل، فيلزم أن يكون رسول الله، صلى الله عليه وسلم فظا غليظا، وقد نفى الله عنه ذلك بقوله: * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * (آل عمران: 951). قلت: لا يلزم منه إلا نفس الفظاظة والغلظ، وهو أعم من كونه فظا غليظا، لأنهما صفة مشبهة يدلان على الثبوت والعام لا يستلزم الخاص أو الأفضل ليس بمعنى الزيادة، لقوله تعالى: * (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) * (النجم: 23). هذا كله كلام الكرماني، وفي النفس منه قلق، والأوجه أن يقال: إنه على المفاضلة، وإن القدر الذي بينهما في رسول الله، صلى الله عليه وسلم هو ما كان إغلاظه على الكفار والمنافقين، قال الله تعالى: * (جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) * (التوبة: 37، والتحريم: 9). قوله: (فجا) بفتح الفاء وتشديد الجيم هو: الطريق الواسع، وقيل: هو الطريق بين الجبلين، وقال عياض: يحتمل أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وأعوانه من عمر، رضي الله تعالى عنه، وأنه لا سبيل لهم عليهم، أي: إنك إذا سلكت في أمر بمعروف أو نهي عن منكر تنفذ فيه ولا تتركه فييأس الشيطان من أن يوسوس فيه فتتركه وتسلك غيره، وليس المراد به الطريق على الحقيقة، لأن الله تعالى: * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) * (الأعراف: 72). فلا يخافه إذا في فج لأنه لا يراه. وقال الكرماني: فإن قلت: فيلزم من ذلك أن يكون عمر أفضل من أيوب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال: * (مسني الشيطان بنصب وعذاب) * (ص 1764;: 14). قلت: لا، إذ التركيب لا يدل إلا على الزمان الماضي