عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١٨٧
حرست السماء ورجموا بالشهب، قال إبليس: إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض. فبعث سرايا ليعرف الخبر فكان أول بعث ركب من أهل نصيبين، وهم أشراف الجن وساداتهم، فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا وادي نخلة فوجدوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي صلاة الغداة ويتلو القرآن. فاجتمعوا إليه قالوا: أنصتوا يعني: اصغوا إلى قراءته. قوله: (فلما قضى) أي: فلما فرغ صلى الله عليه وسلم: من تلاوته، ولوا أي: رجعوا إلى قومهم منذرين، أي: محذرين عذاب الله إن لم يؤمنوا. قوله: (قالوا: يا قومنا) يعني: قالوا لهم إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى، ذهب بعضهم إلى أنهم كانوا يهود، ولهذا قالوا: من بعد موسى، وعن ابن عباس: كانت الجن لم تسمع بأمر عيسى، عليه الصلاة والسلام، فلذلك قالوا: من بعده موسى. قوله: (مصدقا) صفة لقوله: كتابا، يعني: مصدقا لما بين يديه من الكتب. قوله: (يهدي إلى الحق)، صفة للكتاب بعد صفة، وكذلك قوله: إلى طريق مستقيم، قوله: (قولوا)، يعني: قالوا لقومهم أجيبوا داعي الله، أي: النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ويجركم من عذاب أليم) أي: من عذاب النار، وقالوا أيضا: ومن لا يجب داعي الله، أي: الرسول، ولم يؤمن به. قوله: (فليس بمعجز في الأرض) أي: لا ينجي منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق. قوله: (أولياء) أي: أنصار يمنعونه منه، وعن ابن عباس أن هؤلاء الجن كانوا سبعة من جن نصيبين فجعلهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رسلا إلى قومهم، وقيل: كانوا تسعة، وقيل: كانوا اثني عشر ألفا. والسورة التي كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقرؤها سورة * (إقرأ باسم ربك) * (العلق: 1). وذكر ابن دريد من أسماء هؤلاء الجن خمسة، وهم: سامر ومامر ومنسى وماسي والأحقب، وذكر ابن سلام في (تفسيره) عن ابن مسعود: ومنهم: عمرو ابن جابر، وذكر ابن أبي الدنيا: زوبعة، ومنهم: سرق، وفي (تفسير عبد بن حميد): كانوا من نينوى، وأتوه بنخلة وقيل: بشعب الحجون.
مصرفا معدلا أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ولم يجدوا عنها مصرفا) * (الكهف: 35). وفسره بقوله: معدلا، وبه فسر أبو عبيدة.
صرفنا أي وجهنا أشار به إلى ما في الآية المذكورة من قوله: * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) * (الأحقاف: 92). وفسر: صرفنا، بقوله: وجهنا، وقيل: معناه أملنا إليك، وقيل: أقبلنا بهم نحوك، وقيل ألجأناهم، وقيل: وفقناهم بصرفنا إياهم عن بلادهم إليك، والله أعلم.
41 ((باب قول الله تعالى * (وبث فيها من كل دابة) * (البقرة: 461).)) أي: هذا باب في بيان قول الله تعالى: * (وبث فيها من كل دابة) * (البقرة: 461).
قال ابن عباس: الثعبان الحية الذكر منها أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (فإذا هي ثعبان مبين) * (الأعراف: 701، والشعراء: 23). وهذا التعليق أخرجه الطبري في (تفسيره) من حديث شهر ابن حوشب عنه، حيث قال في قوله تعالى: * (فإذا هي ثعبان مبين) * (الأعراف: 701، والشعراء: 23). وفسر الثعبان بأنه الحية الذكر، وقيد بقوله: الذكر، لأن لفظ الحية يقع على الذكر والأنثى، وليست التاء فيه للتأنيث، وإنما هي كتاء تمرة ودجاجة، وقد روي عن العرب: رأيت حيا على حية، أي: ذكرا على أنثى.
يقال: الحيات أجناس الجنان والأفاعي والأساود هذا من كلام البخاري، وفي رواية الأصيلي: الجنان أجناس، وقال عياض: والصواب هو الأول، والجنان، بكسر الجيم وتشديد النون وبعد الألف نون أيضا، وقال ابن الأثير: الجنان تكون في البيوت واحدها جان وهو الدقيق الخفيف، والجان: الشيطان أيضا. قوله: (والأفاعي) جمع أفعى، وهو ضرب من الحيات، وأهل الحجاز يقولون: أفعو، وجاء في حديث ابن عباس: لا بأس بقتل الأفعو، أراد: الأفعى، وقلب ألفها واوا في الوقف، ومنهم من يقلب الألف ياء في الوقف، وبعضهم
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»