0091 حدثنا يحيء بن بكير قال حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سالم أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له.
قيل: هذا الحديث غير مطابق للترجمة، وأجاب عنه صاحب (التلويح): بأن في بعض طرق حديث ابن عمر (أن رسول الله ت ذكر رمضان، فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال)، فكأن البخاري على عادته أحال على هذا، فطابق بذلك ما بوب له من ذكر رمضان، وصاحب (التوضيح) تبعه على ذلك. وقال بعضهم: وإنما أراد المصنف بإيراده في هذا الباب ثبوت ذكر رمضان بغير شهر، ولم يقع ذلك في الرواية الموصولة، وإنما وقع في الرواية المعلقة. قلت: قد ذهل هذا القائل عن حديث قتيبة في أول الباب، فإنه موصول وليس فيه ذكر شهر، والحديث الذي يليه عن يحيى بن بكير فيه ذكر الشهر، والترجمة هل يقال: رمضان أو شهر رمضان؟ فحديث قتيبة يطابق قوله: هل يقال رمضان؟ وحديث يحيى يطابق قوله: أو شهر رمضان؟ فضاع الوجه الذي ذكره باطلا. وجواب صاحب التلويح أيضا ليس بشيء، والوجه في هذا أن يقال: الأحاديث المعلقة والموصولة المذكورة في هذا الباب تدل على أن لشهر رمضان أوصافا عظيمة. منها: أن فيه: غفران ما تقدم من ذنب الصائم فيه إيمانا واحتسابا، وهو الذي علق منه البخاري قطعة في أول الباب. وأن فيه: فتح أبواب الجنان. وأن فيه: غلق أبواب النار. وأن فيه: تسلسل الشياطين، وقد ثبت بالدلائل القطعية فرضية هذا الصوم الموصوف بهذه الأوصاف، وأورد هذا الحديث في هذا الباب ليعلم أن هذا الصوم يكون في أيام محدودة، وهي: أيام شهر رمضان، وأن الوجوب يتعلق برؤيته، فمن هذه الحيثية يستأنس لوجه إيراد هذا الحديث فيه، ويكفي في التطابق أدنى المناسبة فافهم.
ثم سند هذا الحديث هو بعينه سند الحديث الذي قبله، غير أنه في الأول: يروي ابن شهاب عن ابن أبي أنس، عن أبيه عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، وفي هذا الحديث يروي: ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
قوله: (إذا رأيتموه) أي: الهلال، لا يقال: إنه إضمار قبل الذكر لدلالة السياق عليه، كقوله تعالى: * (ولأبويه بكل واحد منهما السدس) * (النساء: 11). أي: لأبوي الميت. قوله: (فإن غم عليكم) أي: فإن ستر الهلال عليكم، ومنه الغم، لأنه يستر القلب، والرجل الأغم المستور الجبهة بالشعر، وسمي السحاب غيما لأنه يستر السماء، ويقال: غم الهلال إذا استتر ولم ير لاستتاره بغيم ونحوه، وغممت الشيء أي: غطيته. قوله: (فاقدروا له)، بضم الدال وكسرها، يقال: قدرت لأمر كذا إذا نظرت فيه ودبرته.
وقال في (شرح المهذب) وغيره: أي ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم يوم الغيم، عن رمضان، وقال آخرون: منهم ابن شريح ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة معناه: قدروه بحساب المنازل، يعني منازل القمر.
وقال أبو عمر في (الاستذكار): وقد كان بعض كبار التابعين يذهب في هذا إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر، وطريق الحساب. وقال ابن سيرين، رحمه الله تعالى: وكان أفضل له لو لم يفعل، وحكى ابن شريح عن الشافعي، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر، ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه، جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ويجزيه. وقال أبو عمر: والذي عندنا في كتبه أنه: لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة، أو إكمال شعبان ثلاثين يوما، وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب، منهم مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد ومن قال بقوله، وذكر في (القنية) للحنفية: لا بأس بالاعتماد على قول المنجمين، وعن ابن مقاتل: لا بأس بالاعتماد على قولهم والسؤال عنهم، إذا اتفق عليه جماعة منهم، وقول من قال: إنه يرجع إليهم عند الاشتباه بعيد، وعند الشافعي: لا يجوز تقليد المنجم في حسابه، وهل يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه؟ فيه وجهان، وقال المازري: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم: (فاقدروا له)، على أن المراد إكمال العدة ثلاثين، كما فسره في حديث آخر، ولا يجوز أن يكون المراد حساب