عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٧٢
النجوم، لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا الأفراد، والشارع إنما يأمر الناس بما يعرفه جماهيرهم، قال القشيري: وإذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلا، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤية مشروطة في اللزوم، فإن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة أو بالاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم، وإذا لم ير الهلال ولا أخبره من رآه، وفي (الاشراف): صوم يوم الثلاثين من شعبان إذ لم ير الهلال مع الصحو إجماع من الأمة أنه لا يجب، بل هو منهي عنهم.
وقال الكرماني: واختلفوا في هذا التقدير، يعني في قوله: (فاقدروا له)، فقيل: معناه قدروا عدد الشهر الذي كنتم فيه ثلاثين يوما، إذ الأصل بقاء الشهر، وهذا هو المرضي عند الجمهور. وقيل: قدروا له منازل القمر وسيره، فإن ذلك يدل على أن الشهر تسعة وعشرون يوما أو ثلاثون، فقالوا: هذا خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، والوجه هو الأول.
وقد استفيد من هذا الحديث: أن وجوب الصوم ووجوب الإفطار عند انتهاء الصوم متعلقان برؤية الهلال. وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر: أن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين. وقال الشافعي: حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوه العدة ثلاثين). قال ابن عبد البر: كذا قال، والمحفوظ في حديث ابن عمر: (فاقدروا له)، وقد ذكر عبد الرزاق عن أيوب (عن نافع عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهلال رمضان: إذا رأيتموه فصوموا، ثم إذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما).
وقال أبو عمر: وروى ابن عباس وأبو هريرة وحذيفة وأبو بكر وطلق الحنفي وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين). قلت: حديث ابن عباس أخرجه أبو داود عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، لا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا، والشهر تسع وعشرون). وحديث أبي هريرة عند الترمذي، رواه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا). وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد انفرد به الترمذي من هذا الوجه. وحديث حذيفة عند أبي داود والنسائي، أخرجه أبو داود من رواية منصور عن ربعي عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة). ونقل ابن الجوزي في (التحقيق): أن أحمد ضعف حديث حذيفة، وقال: ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظ، وقد أنكر عليه ابن عبد الهادي في (التنقيح) وقال: إنه وهم منه فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجهالته غير قادحة في صحة الحديث. وحديث أبي بكرة رواه أبو داود الطيالسي ومن طريقه البيهقي بلفظ: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما). وحديث طلق بن علي رواه الطبراني في (الكبير) فقال: (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يصوم قبل رمضان بصوم يوم حتى تروا الهلال، أو نفي العدة، ثم لا تفطرون حتى تروه، أو نفي العدة). وفي إسناده حبان بن رفيدة، قال ابن حبان: فيه نظر، وقال الذهبي: لا يعرف.
وغيرهم من الصحابة: البراء بن عازب وعائشة وعمر وجابر ورافع بن خديج وابن مسعود وابن عمر وعلي بن أبي طالب وسمرة بن جندب، رضي الله تعالى عنه. فحديث البراء بن عازب عند الطبراني في (الكبير). وحديث عائشة عند أبي داود. وحديث عمر عند البيهقي. وحديث جابر عند البيهقي أيضا. وحديث رافع بن خديج عند الدارقطني. وحديث ابن مسعود عند الطبراني في (الكبير). وحديث ابن عمر عند مسلم. وحديث علي بن أبي طالب عند أحمد والطبراني. وحديث سمرة بن جندب عند الطبراني.
ثم الحكمة في النهي عن التقديم يصوم يوم أو يومين، هي أن لا يختلط صوم الفرض بصوم نفل قبله ولا بعده، تحذيرا
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»