عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٦٨
أصح عندي من حديث أبي بكر بن عياش وقال شيخنا: لم يحكم الترمذي على حديث أبي هريرة المذكور بصحة ولا حسن مع كون رجاله رجال الصحيح، وكان ذلك لتفرد أبي بكر بن عياش به، وإن كان احتج به البخاري، فإنه ربما غلط، كما قال أحمد، ولمخالفة أبي الأحوص له في روايته عن الأعمش، فإنه جعله مقطوعا من قول مجاهد، ولذلك أدخله الترمذي في كتاب (العلل المفرد)، وذكر أنه سأل البخاري عنه، وذكر أن كونه عن مجاهد أصح عنده.
وأما الحاكم فأخرجه في (المستدرك) وصححه، وكذلك صححه ابن حبان، وفي رواية ابن عساكر: (ويغفر فيه إلا لمن نأى، قالوا: أو من نأى يا أبا هريرة؟ قال: الذي يأبى أن يستغفر الله عز وجل)، وروى من حديث عتبة بن فرقد، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار...) الحديث. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث عتبة بن فرقد عن رجل من الصحابة يرفعه: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة...) الحديث، فرجحه مرفوعا. وخطأ حديث أنس، وقال: إنما هو عن أبي هريرة. قلت: عتبة بن فرقد السلمي أبو عبد الله ليس له صحبة، نزل الكوفة، وقال أبو عمر: كان أميرا لعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، على بعض فتوحات العراق، وروى له النسائي والطحاوي، وروى النسائي من رواية عطاء ابن السائب (عن عرفجة، قال: كان عندنا عتبة بن فرقد، فتذاكرنا شهر رمضان، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: شهر رمضان. قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغل فيه الشياطين، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم! ويا باغي الشر أقصر). قال النسائي: هذا خطأ، يريد أن الصواب أنه حديث رجل من الصحابة لم يسم، ثم رواه النسائي من رواية عطاء بن السائب عن عرفجة، قال: كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد، فأردت أن أحدث بحديث، وكان رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، كأنه أولى بالحديث، فحدث الرجل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: في رمضان تفتح أبواب السماء... الحديث.، مثل حديث عتبة بن فرقد.
ذكر ما ورد في هذا الباب من أحاديث الصحابة رضي الله تعالى عنهم: منها: حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه النسائي وابن ماجة من رواية النضر بن شيبان، قال: قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن: حدثني بشيء سمعته من أبيك سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبيك أحد. قال: نعم، حدثني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). قال النسائي: هذا غلط، والصواب: أبو سلمة عن أبي هريرة.
ومنها حديث ابن مسعود، رواه أبو يعلى عنه أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول، وقد أهل رمضان: لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان. فقال رجل من خزاعة: حدثنا به! قال: إن الجنة تزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول، حتى إذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش، فصفقت ورق الجنة، فتنظر الحور العين إلى ذلك، فقلن: يا رب! اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا تقر أعيننا بهم، وتقر أعينهم بنا، فما من عبد يصوم رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مجوفة، مما نعت الله تعالى: * (حور مقصورات في الخيام) * (الرحمن: 27). على كل امرأة منهن سبعون حلة، ليس منها حلة على لون الأخرى، وتعطى سبعون لونا من الطيب: ليس منه لون على ريح الآخر، لكل امرأة منهن سبعين سريرا من ياقوتة حمراء موشحة بالدر، على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من إستبرق، وفوق السبعين فراشا سبعون أريكة لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجاتها، وسبعون ألف وصيف، مع كل وصيف صحفة من ذهب، فيها لون طعام يجد لآخر لقمة منها لذة لا يجد لأوله، ويعطى زوجها مثل ذلك، على سرير من ياقوتة حمراء، عليه سواران من ذهب، موشح بياقوت أحمر، هذا بكل يوم صام من رمضان سوى ما عمل من الحسنات...) هذا حديث منكر وباطل، وفي سنده جرير بن أيوب البجلي الكوفي، كان يضع الحديث. قاله وكيع وأبو نعيم الفضل بن دكين، وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: وأبو زرعة منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث.
ومنها: حديث سلمان الفارسي، رواه الحارث بن أبي أسامة
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»