عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٣٩
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن رافع، وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن آدم، وعن هارون بن عبد الله.
ذكر معناه: قوله: (تفتح اليمن)، قال ابن عبد البر وغيره: افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفي أيام أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وافتتحت الشام بعدها، والعراق بعدها. انتهى. قلت: يمن اسم يعرب بن قحطان بن عابر، وهو هود، فلذلك يقال أرض يمن، ذكره في كتاب (التيجان) وذكر البكري: إنما سمي اليمن يمنا لأنه عن يمين الكعبة، كما سمي الشام شاما لأنه عن شمال الكعبة. وقيل: إنما سمي بذلك قبل أن تعرف الكعبة لأنه عن يمين الشمس، وقيل: سميت اليمن يمنا بيمن بن قحطان، وحكى الهمداني، قال: لما طغت العرب العاربة أقبلت بنو يقطن بن عابر فتيامنوا، فقالت العرب: تيامنت بنو يقطن، فسموا اليمن. وتشأم الآخرون فسموا شاما. قوله: (يبسون)، بفتح الياء آخر الحروف وضم الباء الموحدة وتشديد السين المهملة من: بس يبس بسا، والبس: سوق الإبل. تقول: بس يبس عند السوق وإرادة السرعة، وقال ابن عبد البر في رواية يحيى بن يحيى: يبسون، بكسر الباء الموحدة، وقيل: إن ابن القاسم رواه بضمها قلت: حاصله أنه من باب: نصر ينصر، ومن باب: ضرب يضرب، وفي (التلويح) أشار إلى أنه روي بضم الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة، فعلى هذا يكون من الثلاثي المزيد فيه من أبس يبس على وزن أفعل. قال الحربي: ومعناه يتحملون بأهليهم، وقيل: معناه يدعون الناس إلى بلاد الخصب، وقال الداودي معناه: يزجرون دوابهم فيفتتون ما يطؤنه من الأرض من شدة السير فيصير غبارا من قوله تعالى: * (وبست الجبال بسا) * (الواقعة: 5). أي: سالت سيلا. وقيل: معناه سارت سيرا. وقال ابن القاسم: البس المبالغة في الفت، ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن: بسيس، وأنكر ذلك النووي، وقال: إنه ضعيف أو باطل. وقال ابن عبد البر: وقيل: معنى يبسون يسألون عن البلاد، وتستقر لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها، ويشهد لهذا حديث أبي هريرة عند مسلم: (يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه إلى المجيء إليها لذلك، فيتحمل المدعو بأهله وأتباعه). وقال النووي: الصواب أن معناه: الإخبار عمن خرج من المدينة متحملا بأهله، بأسا في سيره، مسرعا إلى الرخاء والأمصار المفتتحة، ويؤيد هذا ما رواه ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة في هذا الحديث: (تفتح الشام فيخرج الناس من المدينة يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون). وروى أحمد في (مسنده) من حديث جابر، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس فيها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون رخاء، ثم يأتون فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء والمدينة خير لو كانوا يعلمون). وفي إسناده عبد الله بن لهيعة وفيه مقال، ولكن أحمد قبله ورضي به، ولا بأس به في المتابعات. قوله: (لو كانوا يعلمون) أي: بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي وثواب الإقامة فيها لأنها حرم الرسول ومهبط الوحي ومنزل البركات. فإن قلت: أين جواب: لو؟ قلت: محذوف، دل عليه ما قبله أي: لو كانوا من أهل العلم لعرفوا ذلك، ولما فارقوا المدينة. وإن كانت: لو، بمعنى: ليت، فلا جواب لها، وعلى التقديرين ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرا عظيما، وفيه معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهاليهم ويفارقون المدينة، وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب المذكور في الحديث، ووجد جميع ذلك. قوله: (ومن أطاعهم) أي: ويتحملون بمن أطاع أهليهم من الناس. قوله: (والمدينة خير لهم) الواو فيه للحال، وقال الطيبي: نكر قوما لتحقيرهم وتوهين أمرهم، ثم وصفهم بقوله: (يبسون) إشعارا بركاكة عقولهم، وأنهم ممن ركنوا إلى الحظوظ البهيمية، وحطام الدنيا الفانية العاجلة وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي، ولذلك كرر قوما ووصفه في كل قرينة بقوله: (يبسون)، استحضارا لتلك الهيئة البهيمية. وقال الطيبي أيضا الذي يقتضي هذا المقام أن ينزل يعلمون منزلة اللازم لينتفي عنهم العلم والمعرفة بالكلية، ولو ذهب مع ذلك إلى معنى التمني لكان أبلغ، لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله أي: ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا. انتهى. وقالوا: المراد به الخارجون من المدينة رغبة عنها كارهين لها، وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث.
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»