عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٢٨
عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
مطابقته للترجمة في قوله: (المدينة حرم من كذا إلى كذا).
ذكر رجاله: وهم أربعة: الأول: أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي. الثاني: ثابت، بالثاء المثلثة في أوله: ابن يزيد من الزيادة مر في: باب ميمنة المسجد. الثالث: عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، وقد مر في: باب الأذان. الرابع: أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: أن رواته كلهم بصريون. وفيه: أن ثابتا يقال له الأحول، وكذلك عاصم بن سليمان الأحول. وفيه: عن أنس وفي رواية عبد الواحد عن عاصم: قلت لأنس، وفي الاعتصام: سألت أنسا، وكذلك في رواية مسلم. وفيه: أنه من الرباعيات.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد، وأخرجه مسلم في المناسك عن عامر بن عمر وعن زهير بن حرب.
ذكر معناه: قوله: (المدينة حرم)، أي: محرمة لا تنتهك حرمتها. قوله: (من كذا إلى كذا)، هكذا جاء من غير بيان، وسيأتي في هذا الباب عن علي: ما بين عائر إلى كذا، وذكره في الجزية وغيرها بلفظ: عير وهو جبل بالمدينة. وقال ابن المنير: قوله: من غير إلى كذا، سكت عن النهاية، وقد جاء في طريق آخر: (ما بين عير إلى ثور). وقال: والظاهر أن البخاري أسقطها عمدا لأن أهل المدينة ينكرون أن يكون بها جبل يسمى ثورا، وإنما ثور بمكة، فلما تحقق عند البخاري أنه وهم أسقطه، وذكر بقية الحديث، وهو مقيد يعني بقوله: (من عير إلى كذا)، إذ البداءة يتعلق بها حكم فلا يترك لإشكال سنح في حكم النهاية. انتهى. وقد أنكر مصعب الزهري وغيره هاتين الكلمتين أعني: عيرا وثورا، وقالوا: ليس بالمدينة عير ولا ثور، وقال مصعب: عير بمكة، ومنهم من ترك مكانه بياضا إذا اعتقدوا الخطأ في ذكره، وقال أبو عبيد: كان الحديث: من غير إلى أحد. قلت: اتفقت روايات البخاري كلها على إبهام الثاني، ووقع عند مسلم: إلى ثور، وقال أبو عبيد. قوله: (ما بين عير إلى ثور)، هذه رواية أهل العراق، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور، وإنما ثور بمكة، ونرى أن أصل الحديث: ما بين عير إلى أحد، وقد وقع ذلك في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبراني، وقال عياض: لا معنى لإنكار عير بالمدينة، فإنه معروف. وفي (المحكم) و (المثلث): عير اسم جبل بقرب المدينة معروف، وقال المحب الطبري في (الأحكام). بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، وذكر الشيخ قطب الدين الحلبي، رحمه الله، في (شرحه): حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري، أنه خرج رسولا إلى العراق، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل فكان يذكر له الأماكن والجبال، قال: فلما وصلنا إلى أحد إذا بقربه جبيل صغير، فسألته عنه، فقال: هذا يسمى ثورا. قال: فعلمت صحة الرواية، وقال ابن قدامة: يحتمل أن يكون مراد النبي صلى الله عليه وسلم مقدار ما بين عير وثور، لا أنهما بعينهما في المدينة، أو سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبلين اللذين نظر في المدينة عيرا وثورا تحوزا وارتجالا. قلت: العير، بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف. وثور، بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو، ويروى ما بين: عائر إلى كذا، بألف بعد العين. قوله: (لا يقطع شجرها)، وفي رواية يزيد بن هارون: (لا يختلى خلاها)، وفي حديث جابر عند مسلم: (لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها). قوله: (ولا يحدث) بلفظ المعلوم والمجهول: أي: لا يعمل فيها عمل مخالف للكتاب والسنة، وزاد شعبة فيه عن عاصم عند أبي عوانة: (أو آوى محدثا). وهذه الزيادة صحيحة إلا أن عاصما لم يسمعها من أنس. قوله: (حدثا) هو الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة، والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر من:
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»