عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٩٦
الترمذي وفي آخره: (وبنى بها حلالا، وماتت بسرف ودفنها في الظلة التي بنى فيها). وأجاب أهل المقالة الأولى عن هذا بأن في حديث أبي رافع مطرا الوراق، وهو عندهم ليس ممن يحتج بحديثه، وقد رواه مالك وهو أضبط منه وأحفظ، فقطعه. وقال الترمذي: وهذا حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة، ورواه مالك ابن أنس (عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال)، رواه مالك مرسلا، قال: رواه أيضا سليمان ابن بلال عن ربيعة مرسلا، وقال أبو عمر: حديث مالك عن ربيعة في هذا الباب غير متصل، وقد رواه مطر الوراق فوصله، رواه حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع، وهذا عندي غلط في مطر، لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين، وقيل: سنة تسع وعشرين. ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بيسير، وكان قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وغير جائز ولا ممكن أن يسمع سليمان من أبي رافع، فلا معنى لرواية مطر، وما رواه مالك أولى، والعجب من البيهقي يعرف هذا المقدار في هذا الحديث ثم يسكت عنه، ويقول: مطر بن طهمان الوراق قد احتج به مسلم بن الحجاج. قلنا: ولئن سلمنا ذلك فهو ليس كرواة حديث ابن عباس. ولا قريبا منهم. وقد قال النسائي: مطر ليس بالقوي، وعن أحمد: كان في حفظه سوء، وأجابوا عن حديث ميمونة بأن عمرو بن دينار قد ضعف يزيد ابن الأصم في خطابه للزهري، وترك الزهري الإنكار عليه، وأخرجه من أهل العلم وجعله أعرابيا بوالا على عقبيه، وهم يضعفون الرجل بأقل من هذا الكلام، وبكلام من هو أقل من عمرو بن دينار، والزهري، ومع هذا فالذين رووا أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم نحو سعيد بن جبير وعطاء وطاووس ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد أعلى وأثبت من الذين رووا أنه تزوجها وهو حلال، وميمون بن مهران وحبيب بن الشهير ونحوهما لا يلحقون هؤلاء الذين ذكرناهم، وروى ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن ابن جريج (عن عطاء، قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم).
وفي (الطبقات) لابن سعد أنبأنا أبو نعيم حدثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران. قال: كنت جالسا عند عطاء فسأله رجل: هل يتزوج المحرم؟ فقال عطاء: ما حرم الله النكاح منذ أحله، قال ميمون: فذكرت له حديث يزيد بن الأصم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال. قال: فقال عطاء: ما كنا نأخذ هذا إلا عن ميمونة، وكذا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم). وأنبأنا ابن نمير والفضل بن دكين عن زكريا بن أبي زائدة (عن الشعبي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، تزوج ميمونة وهو محرم)، وأنبأنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد وأنبأنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن خالد حدثنا أبو يزيد المديني، قالا: (إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم). وروى الطحاوي من حديث عبد الله بن محمد بن أبي بكر. قال: سألت أنس بن مالك عن نكاح المحرم؟ فقال: ما به بأس هل هو إلا كالبيع؟ وذكره أيضا ابن حزم عن معاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه. فإن قلت: قال ابن حزم: يقول من أجاز نكاح المحرم لا يعدل يزيد بن الأصم أعز أبي بابن عباس، قالوا: وقد يخفى على ميمونة كون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما، فالمخبر بكونه كان محرما معه زيادة علم، قالوا: وخبر ابن عباس وارد بزيادة حكم فهو أولى. وقالوا في خبر عثمان: معناه لا يوطئ غيره ولا يطأ. قال أبو محمد هو ابن حزم وهذا ليس بشيء أما تأويلهم في خبر عثمان فقد بينه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب)، فصح أنه أراد النكاح الذي هو العقد. وأما ترجيحهم ابن عباس على يزيد فنعم، والله لا يقرن يزيد بعبد الله ولا كرامة، وهذا تمويه منهم لأن يزيد إنما رواه عن ميمونة وروى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس، ونحن لا نقرن ابن عباس صغير من الصحابة إلى ميمونة أم المؤمنين، لكن نعدل يزيد إلى أصحاب ابن عباس، ولا نقطع بفضلهم عليه، وأما قولهم: قد يخفى على ميمونة إحرامه إذا تزوجها، فيعارضون بأن يقال لهم: قد يخفى على ابن عباس إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من إحرامه، فالمخبرة بكونه قد أحل زائدة عاما، وأما قولهم: خبر ابن عباس وارد بحكم زائد، فليس كذلك بل خبر عثمان هو الزائد الحكم، فبقي أن يرجح خبر عثمان وخبر ميمونة على خبر ابن عباس.
فنقول: خبر يزيد عنها هو الحق، وقول ابن عباس وهم لا شك فيه لوجوه: أولها: أنها على علم بنفسها منه، ثانيها: أنها كانت إذ ذاك امرأة كاملة، وكان ابن عباس يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر، فبين الضبطين فرق لا يخفى. ثالثها: أنه، صلى الله عليه وسلم، إنما تزوجها في عمرة القضاء هذا مما لا يختلف فيه اثنان ومكة يومئذ دار حرب،
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»