فقيل: أوحى الله قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله، وقيل: كان الله تعالى فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقا. وحكى ابن بطال عن المهلب: أن الاستثناء هنا للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة، وقد بين العباس ذلك بأن الإذخر لا غنى لأهل مكة عنه، ورد عليه بأن الذي يباح للضرورة يشترط حصولها فيه، فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحققت ضرورته فيه، والإجماع على أنه مباح مطلقا بغير قيد الضرورة، وقيل: الحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة وترخيص النبي صلى الله عليه وسلم كان تبليغا عن الله تعالى، إما بطريق الإلهام أو بطريق الوحي، ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم، ويجوز في الإذخر الرفع على أنه بدل مما قبله، ويجوز النصب لكونه استثناء وقع بعد النهي، وقال ابن مالك: والمختار النصب لكون الاستثناء وقع متراخيا عن المستثنى منه، فبعدت المشاكلة بالبدلية، لكون الاستثناء أيضا عرض في آخر الكلام، ولم يكن مقصودا. قوله: (فإنه) أي: فإن الإذخر. قوله: (لقينهم)، بفتح القاف وسكون الياء في آخر الحروف بعدها نون، وهو الحداد. وقال الطبري: القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه. قوله: (ولبيوتهم) يعني: لسقوف بيوتهم حيث يجعلونه فوق الخشب، وقال التيمي: معناه يوقدونه في بيوتهم، وفي رواية المغازي: (فإنه لا بد منه للقين والبيوت)، وفي الرواية الماضية: (فإنه لصاغتنا وقبورنا). ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن شبة الجمع بين الثلاثة، ووقع عنده أيضا، (فقال العباس: يا رسول الله! إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر لقينهم وبيوتهم).
ومن فوائد هذا الحديث: جواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد. ومنها: عظم منزلة العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها عنايته بأمر مكة لكونه كان منها أصله ومنشؤه. ومنها: رفع وجوب الهجرة عن مكة إلى المدينة وإبقاء حكمها من بلاد الكفر إلى يوم القيامة. ومنها: أنه يشترط الإخلاص للجهاد ولكل نية فيها خير، والله أعلم.
11 ((باب الحجامة للمحرم)) أي: هذا باب في بيان حكم الحجامة للمحرم، هل يمنع منها أو يباح له مطلقا أو للضرورة؟ والمراد في ذلك كله المحجوم لا الحاجم.
وكوى ابن عمر ابنه وهو محرم يستأنس مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إن كلا من الحجامة والكي يستعمل للتداوي عند الضرورة، وابن عمر هو عبد الله، واسم ابنه واقد بالقاف، ووصل هذا التعليق سعيد بن منصور من طريق مجاهد، قال: أصاب واقد بن عبد الله بن عمر برسام في الطريق وهو متوجه إلى مكة، فكواه ابن عمر.
ويتداوى ما لم يكن فيه طيب أي: ويتداوى المحرم بدواء ما لم يكن فيه طيب، وفي بعض النسخ: بما لم يكن فيه طيب، وقال بعضهم: هذا من تتمة الترجمة وليس في أثر ابن عمر كما ترى، وأما قول الكرماني: يتداوى، فاعله إما المحرم وإما ابن عمر، فكلام من لم يقف على أثر ابن عمر. انتهى. قلت: أما قول هذا القائل: هذا من تتمة الترجمة، فليس بشيء لأن أثر ابن عمر فأصل يمنع أن يكون هذا من الترجمة، وأما قول الكرماني: وأما ابن عمر فكذلك، ليس بشيء لوقوع هذا أيضا بعد أثر ابن عمر في غير محله، ومع هذا أشار به إلى جواز التداوي للمحرم بما ليس فيه طيب، وقد ذكر البخاري في أوائل الحج في: باب الطيب عند الإحرام، وقال ابن عباس: يشم المحرم الريحان، وينظر في المرآة ويتداوى ويأكل الزيت والسمن، وروى الطبري من طريق الحسن، قال: إن أصاب المحرم شجة فلا بأس بأن يأخذ ما حولها من الشعر ثم يداويها بما ليس فيه طيب.
5381 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال قال عمر و أول شيء سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ثم سمعته يقول حدثني طاووس عن ابن عباس فقلت لعله سمعه منهما.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني. الثاني: سفيان بن عيينة.