عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٨٥
هي عدو فاقتلوها حيث وجدتموها. وقال زيد بن أسلم: أي كلب أعقر من الحية؟ وقال آخرون: لا ينبغي أن تقتل عوامر البيوت وسكانها إلا بعد مناشدة العهد الذي أخذ عليهن، فإن ثبت بعد إنشاده قتل، وذلك حذار الإصابة فيلحقه ما لحق الفتى المعرس بأهله، حيث وجد حية على فراشه فقتلها قبل مناشدته إياها، واعتلوا في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: (أن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإن رأيتم منها شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه). ولا تخالف بينهما، وربما تمثل بعض الجن ببعض صور الحيات فيظهر لأعين بني آدم، كما روى ابن أبي مليكة (عن عائشة بنت طلحة أن عائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، رأت في مغتسلها حية فقتلتها، فأتيت في منامها، فقيل لها: إنك قتلت مسلما، فقالت: لو كان مسلما ما دخل على أمهات المؤمنين؟ فقيل: ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك، فأصبحت فزعة، ففرقت في المساكين اثني عشر ألفا). قال ابن نافع: لا تنذر عوامر البيوت إلا بالمدينة خاصة على ظاهر الحديث، وقال مالك: تنذر بالمدينة وغيرها، وهو بالمدينة أوجب، ولا تنذر في الصحارى، وقال غيره: بالسوية بين المدينة وغيرها، لأن العلة إسلام الجن، ولا يحل قتل مسلم جني ولا أنسي. ومما يؤكد قتل الحية ما ذكره البخاري في هذا الباب عن ابن مسعود، وعند الدارقطني من حديث ذر (عن عبد الله: من قتل حية أو عقربا فقد قتل كافرا). وقال: الموقوف أشبه بالصواب.
1381 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله.
(الحديث 1381 طرفه في: 6033).
مطابقته للترجمة في قوله: (فويسق)، لأن تسميته صلى الله عليه وسلم إياه فويسقا يقتضي أن يكون قتله مباحا. وإسماعيل هو ابن أبي أويس عبد الله أبو عامر الأشجعي المدني، ابن أخت مالك بن أنس.
والحديث أخرجه النسائي أيضا في الحج عن وهب بن بيان عن ابن وهب عن مالك به مختصرا: (الوزغ فويسق).
قوله: (قال للوزغ) اللام فيه بمعنى: (عن، نحو: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا) * (مريم: 37، والعنكبوت: 21، يس: 74، والأحقاف: 11). أي: عن الذين آمنوا، والمعنى هنا، قال عن الوزغ: فويسق. قلت: ويجوز أن يكون للتعليل، والمعنى: قال لأجل الوزغ: فويسق، والوزغ، بفتح الواو والزاي وفي آخره غين معجمة: جمع وزغة، ويجمع أيضا على: وزغان وأزغان على البدل. وقال ابن سيده: عندي أن الوزغان إنما هو جمع وزغ الذي هو جمع وزغة، كورل وورلان. وفي (الصحاح): والجمع أوزاغ وفي (المغيث): والجمع أوزاغ. قوله: (فويسق)، تصغير: فاسق، تصغير تحقير. وهوان، ومقتضاه الذم له. وقال الكرماني: الوزغ دابة لها قوائم تعدو في أصول الحشيش، قيل: إنها تأخذ ضرع الناقة وتشرب من لبنها، وقيل: كانت تنفخ في نار إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لتلتهب. وقال الجوهري: الوزغة دويبة. وقال ابن الأثير: وهي التي يقال: سام أبرص. قلت: هذا هو الصحيح، وهي التي تكون في الجدران والسقوف ولها صوت تصيح به، وقال ابن الأثير: ومنه حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها: (لما أحرق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه). قوله: (ولم أسمعه أمر بقتله)، هو كلام عائشة أي: لم أسمع النبي، صلى الله عليه وسلم، أمر بقتل الوزغ، وإنما ذكرت الضمير في: بقتله، نظرا إلى ظاهر اللفظ وإن كان جمعا في المعنى، وقول عائشة هذا لا يدل على منع قتله، لأنه قد سمعه غيرها. وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا (أمر بقتل الأوزاغ). وفي حديث عروة (عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله). وقال أبو الحسن الباغندي في (علله): أنه وهم، والصواب أنه مرسل، وروى مالك عن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وفيه انقطاع بين الزهري وسعد، وقال ابن المواز عن مالك، قال: سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وعن أم شريك أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها، على ما سيأتي، وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه: (من قتل وزغا فله صدقة). وقال ابن عمر: (اقتلوا الوزغ فإنه شيطان)، وعن عائشة أنها كانت تقتل الوزغ في بيت الله تعالى، وسأل إبراهيم بن نافع عطاء عن قتله في الحرم؟ قال: لا بأس به، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم، لكن نقل ابن عبد الحكم
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»