عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٩٨
الأئمة في ذلك والحكمة في منعه من الطيب أنه من دواعي الجماع ومقدماته التي تفسد الإحرام، وفي حديث عمر، رضي الله تعالى عنه، أخرجه البزار (الحاج الشعث التفل)، والتفل بفتح التاء المثناة وكسر الفاء: الذي ترك استعمال الطيب من التفل وهي الريح الكريهة.
وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران مطابقته للترجمة من حيث إن الثوب المصبوغ بالورس والزعفران تفوح له رائحة مثل ما تفوح رائحة الطيب من أنواع ما يتطيب به، وهذا التعليق وصله البيهقي، فقال: حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمر بن مطر حدثنا يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا حبيب عن يزيد الرشك، (عن معاذة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران). والورس، بفتح الواو وسكون الراء وفي آخره سين مهملة، نبت أصفر تصبغ به الثياب، وقد مر الكلام فيه مستوفى في: باب ما لا يلبس المحرم من الثياب.
8381 حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا الليث قال حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس)، وعبد الله بن يزيد من الزيادة المقرئ، مولى آل عمر، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقد ذكر هذا الحديث في آخر كتاب العلم في: باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله: عن آدم عن ابن أبي ذئب عن نافع وذكره أيضا في أوائل الحج في: باب ما لا يلبس المحرم من الثياب: عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع وزاد فيه ههنا: (ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين). قوله: (القفازين)، تثنية قفاز، بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي، وقال ابن سيده: هو ضرب من الحلي، وتقفزت المرأة نقشت يديها ورجليها بالحناء، وقال القزاز: القفاز تلبس في الكف، وقال ابن فارس وابن دريد: هو ضرب من الحلي تتخذه المرأة في يديها ورجليها، وفي (الصحاح): بالضم والتشديد شيء يعمل لليدين يحشى بقطن. ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها. وفي (الغريبين): تلبسه نساء الأعراب في أيديهن لتغطية الأصابع والكف. وفي (المغرب): هو شيء يتخذه الصائد في يديه من جلد أو لبد. وهذا الحديث يشتمل على أحكام قد ذكرناها في آخر كتاب العلم. فقوله: (القميص) ويروى: القمص، بضمتين وسكون الميم أيضا: جمع قميص. (والبرانس) جمع: برنس وهو ثوب رأسه ملتزق. قوله: (وليقطع أسفل من الكعبين)، وعن أحمد: لا يلزمه قطعهما، في المشهور عنه. قال ابن قدامة: وروي ذلك عن علي، رضي الله تعالى عنه، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القداح، احتج أحمد بحديث ابن عباس من عند البخاري: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفين)، وحديث جابر مثله رواه مسلم عنه، قال: قال رسول الله ت: (من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس من سراويل). وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي وآخرين: لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما، كما في حديث الباب، وحديث ابن عباس وجابر مطلق يحمل على المقيد، لأن الزيادة من الثقة مقبولة. وقال ابن التين: ابن عباس حفظ لبس الخفين ولم ينقل صفة اللبس، بخلاف ابن عمر فهو أولى، وقد قيل: فليقطعهما من كلام نافع، كذا في أمالي أبي القاسم بن بشران بسند صحيح: أن نافعا قال، بعد روايته الحديث: وليقطع الخفين أسفل الكعبين، وذكر ابن العربي وابن التين أن جعفر بن برقان في روايته: قال نافع، ويقطع الخفاف أسفل من الكعبين، وقال ابن قدامة: وروى ابن أبي موسى عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما، وكان ابن عمر يفتي بقطعهما، قالت صفية: فلما أخبرته بذلك رجع، وقال ابن قدامة: ويحتمل أن يكون
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»