عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٩١
إلا من عرفها ولا يختلى خلاها. قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم قال إلا الإذخر.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة) وعثمان بن أبي شيبة هو عثمان بن محمد ابن أبي شيبة، واسمه إبراهيم بن عثمان أبو الحسن العبسي الكوفي وهو أخو أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة، مات في المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين، وروى عنه مسلم أيضا. وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر يروي عن مجاهد عن طاووس، كذا يرويه موصولا، وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، مرسلا، أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معمر عنه، ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله..
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الحج وفي الجزية: عن علي بن عبد الله، وفي الجهاد: عن آدم عن شيبان وعن علي بن عبد الله وعمرو بن علي، كلاهما عن يحيى. وأخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى وفيه وفي الحج عن إسحاق بن إبراهيم، وفيهما أيضا عن محمد بن رافع وفي الجهاد أيضا عن أبي بكر وأبي كريب وعن عبد بن حميد. وأخرجه أبو داود في الحج والجهاد عن عثمان به منقطعا. وأخرجه الترمذي في السير عن أحمد بن عبدة وأخرجه النسائي فيه وفي البيعة عن إسحاق بن منصور في الحج عن محمد بن قدامة وعن محمد بن رافع.
قوله: (يوم افتتح مكة) منصوب لأنه ظرف: لقال. قوله: (لا هجرة)، أي: بعد الفتح، وكذا جاء عن علي بن المديني في روايته عن جرير في كتاب الجهاد والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام: باقية إلى يوم القيامة، ولم تبق هجرة من مكة بعد أن صارت دار الإسلام، وهذا يتضمن معجزة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأنها تبقى دار الإسلام لا يتصور منها الهجرة. قوله: (ولكن جهاد)، أي: لكن لكم طريق إلى تحصل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء من لقاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحوه. وارتفاع: جهاد، على الابتداء وخبره محذوف مقدما، تقديره: لكم جهاد. قوله: (وإذا استنفرتم) أي: إذا دعاكم الإمام إلى الخروج إلى الغزو فأخرجوا إليه، وقال الطيبي: (ولكن جهاد)، عطف على محل مدخول: (ولا هجرة) أي: الهجرة من الأوطان إما هجرة الفرار من الكفار، وإما إلى الجهاد، وإما إلى غير ذلك كطلب العلم، وانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما، وإذا استنفرتم فانفروا. قوله: (فإن هذا بلد) الفاء فيه جواب شرط محذوف تقديره: إذا علمتم ذلك فاعلموا أن هذا بلد حرام. قوله: (حرم الله) كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: (حرمه الله) بالهاء، قوله: (بحرمة الله)، أي: بتحريمه، وهذا تأكيد للتحريم. قوله: (وإنه) أي: إن الشأن (لم يحل القتال فيه) هكذا وقع في رواية الكشميهني بلفظ: (لم يحل)، وفي رواية غيره: (لا يحل)، بلفظ: لا، والأول أشبه. لقوله: (قبلي). قوله: (ولا يلتقط)، على صيغة المعلوم وفاعله هو قوله: (من عرفها). قوله: (خلاها) بالقصر كما ذكرنا، وذكر ابن التين أنه وقع في رواية القابسي بالمد، وهو: الرطب من النبات، واختلاؤه وقطعه واحتشاشه، وتخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه، وهو أصح الوجهين للشافعية، لأن النبت اليابس كالصيد الميت. وقال ابن قدامة: لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش، ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة: (ولا يحتش حشيشها). قوله: (قال العباس)، هو ابن عبد المطلب، كما وقع كذلك في المغاوي من وجه آخر. قوله: (إلا الإذخر)، قد ذكرنا أنه استثناء تلقيني والاستثناء التلقيني هو أن العباس لم يرد به أن يستثني هو بنفسه، وإنما أراد به أن يلقن النبي، صلى الله عليه وسلم، بالاستثناء، واستدل به بعضهم على جواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه، ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال إما لفظا وإما حكما كجواز الفصل بالتنفس مثلا، وقد اشتهر عن ابن عباس الجواز مطلقا، واحتج له بظاهر هذه القة. وأجاب الجمهور عنه بأن هذا الاستثناء في حكم المتصل لاحتمال أن يكون النبي، صلى الله عليه وسلم، أراد أن يقول: إلا الإذخر، فشغله العباس بكلامه، فوصل كلامه بكلام نفسه، فقال: إلا الإذخر، وقد قال مالك: يجوز الفصل مع إضمار الاستثناء متصلا بالمستثنى منه. فإن قلت: هل كان قوله صلى الله عليه وسلم (إلا الإذخر؟) باجتهاد أو وحي؟ قلت: اختلفوا فيه
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»