عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٩٩
الأمر بقطعهما قد نسخ فإن عمرو بن دينار قد روى الحديثين جميعا. وقال: انظروا أيهما كان قبل. وقال الدارقطني: قال أبو بكر النيسابوري: حديث ابن عمر قبل لأنه قد جاء في بعض رواياته: (نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) يعني بالمدينة فكأنه كان قبل الإحرام، وحديث ابن عباس يقول: سمعته يخطب بعرفات... الحديث، فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر، فيكون ناسخا له، لأنه لو كان القطع واجبا لبينه للناس، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وقال ابن الجوزي: روى حديث ابن عمر مالك وعبيد الله وأيوب في آخرين فوقفوه على ابن عمر، وحديث ابن عباس سالم من الوقف مع مع عضده من حديث جابر، ويحمل قوله: وليقطعهما، على الجواز من غير كراهة لأجل الإحرام، وينهى عن ذلك في غير الإحرام لما فيه من الفساد، فأما إذا لبس الخف المقطوع من أسفل الكعب مع وجود النعل فعندنا أنه لا يجوز ويجب عليه الفداء، خلافا لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال ابن قدامة: والأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح، وخروجا من الخلاف وأخذا بالاحتياط.
تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النقاب والقفازين أي: تابع الليث هؤلاء الأربعة في الرواية عن نافع. أما متابعة موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المدني فقد وصلها النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى عن نافع، وقال أبو داود: روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى مرفوعا. وأما متابعة إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بن أبي عياش، وهو ابن أخي موسى المذكور، وهو من أفراد البخاري، فوصلها علي بن محمد المصري في فوائده من رواية الحافظ السلفي عن الثقفي: عن ابن بشران عنه عن يوسف بن يزيد عن يعقوب بن أبي عباد عن إسماعيل عن نافع به. وأما متابعة جويرية بن أسماء فوصلها أبو يعلى الموصلي عن عبد الله بن محمد بن أسماء عنه عن نافع. وأما متابعة محمد بن إسحاق فوصلها أحمد والحاكم من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق، قال: حدثني نافع به مرفوعا.
قوله: (في النقاب والقفازين) أي: في ذكرهما، والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر، وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة، ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلا منهما محيط بجزء من البدن، وأما النقاب فلا يحرم على الرحل من جهة الإحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه.
وقال عبيد الله ولا ورس وكان يقول لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين عبيد الله هو ابن عمر العمري: قوله: (ولا ورس)، يعني قال عبيد الله في الحديث المذكور إلى قوله: (ولا ورس)، وأشار بهذا إلى أن عبيد الله هذا وافق الأربعة المذكورين في رواية الحديث المذكور عن نافع حيث جعل الحديث إلى قوله: (ولا ورس) مرفوعا ثم فصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر، وهو معنى قوله: (وكان يقول) أي: وكان ابن عمر يقول: (لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين) وقال الكرماني: قوله: كان يقول: فإن قلت: لم قال أولا بلفظ: قال؟ وثانيا قال: كان يقول؟ قلت: لعله قال ذلك مرة، وهذا كأن يقول دائما مكررا، والفرق بين المرتين إما من جهة حذف لفظ المرأة وإما من جهة أن الأول بلفظ لا تنتقب من التفعل، والثاني من الافتعال، وإما من جهة أن الثاني، بضم الباء على سبيل النفي لا غير، والثاني بالضم والكسر نفيا ونهيا. انتهى قلت: قوله: كان يقول، دائما مكررا كأنه أخذه من قول من قال: إن: كان، يدل على الدوام والاستمرار. قوله من التفعل، يعني: من باب التفعل، يقال من هذا: تنقبت المرأت تنتقب تنقبا. قوله: من الافتعال، أي: من باب الافتعال، يقال من هذا: انتقبت المرأة تنتقب انتقابا.
قوله: (وقال عبيد الله) إلى آخره معلق وصله إسحاق ابن راهويه في (مسنده) عن محمد بن بشر وحماد بن مسعدة وابن خزيمة من طريق بشر بن المفضل، ثلاثتهم عن عبيد الله ابن عمر عن نافع، فساق الحديث إلى قوله: (ولا ورس)، قال: وكان عبد الله يعني: ابن عمر: (يقول: ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين) ومعنى: لا تنتقب لا تستر وجهها، واختلفوا في ذلك فمنعه الجمهور وأجازه الحنفية، وهو
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»