عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٠٧
يعني بشرط الصحة وليس طريق غير طريق مالك في شرط الصحة. فافهم.
ذكر معناه: قوله: (عن أنس) في رواية أبي أويس عند ابن سعد: أن أنس بن مالك حدثه. قوله: (وعلى رأسه المغفر)، بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء، قال ابن سيده، المغفر والمغفرة والغفارة: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، وقيل: هو رفرف البيضة، وقيل: هو حلق يتقنع به المتسلح، وقال ابن عبد البر: هو ما غطى الرأس من السلاح: كالبيضة وشبهها من حديد كان ذلك أو غيره، وفي (المشارق): هو ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة. فإن قلت: روى زيد بن الحباب عن مالك يوم الفتح: وعليه مغفر من حديد، أخرجه الدارقطني في (الغرائب) والحاكم في (الإكليل) وقد مر عن مسلم: (دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء). وبين الروايتين تعارض؟ قلت: قال أبو عمر: ليس عندي تعارض، فإنه يمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها المغفر، فلا يتعارض الحديثان، وذكر أبو العباس أحمد ابن طاهر الداني في كتابه (أطراف الموطأ): لعل المغفر كان تحت العمامة. وقال القرطبي، يكون نزع المغفر عند انقياد أهل مكة ولبس العمامة بعده، ومما يؤيد هذا خطبته وعليه العمامة، لأن الخطبة إنما كانت عند باب الكعبة بعد تمام الفتح، وقيل في الجواب عن ذلك: إن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر، وكانت تحت وقاية لرأسه من صدى الحديد فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متأهبا للحرب، وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم. قوله: (فلما نزعه) أي: فلما قلعه، والضمير المنصوب يرجع إلى المغفر. قوله: (جاءه رجل)، وهو أبو برزة الأسلمي، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الزاي، واسمه نضلة بن عبيد وجزم به الكرماني والفاكهي في (شرح العمدة): قوله: (ابن خطل) مبتدأ أو خبره وهو قوله: (متعلق بأستار الكعبة)، والجملة مقول لقوله: (قال)، أي: قال ذلك الرجل، واسم ابن خطل: عبد الله، وقيل: هلال وليس بصحيح، وهلال اسم أخيه، صرح بذلك الكلبي في (النسب) والأصح أن اسمه كان عبد العزى في الجاهلية، فلما أسلم سمي عبد الله. وقيل: هو عبد الله بن هلال بن خطل، وقيل: غالب بن عبد الله بن خطل، واسم خطل عبد مناف من بني تميم ابن فهر بن غالب، وخطل لقب عليه. قوله: (فقال: اقتلوه) أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوه أي: ابن خطل فقتل.
واختلف في اسم قاتله، فقيل: قتله أبو برزة، وقيل: سعيد بن حريث المخزومي، وقيل: زبير بن العوام، وجزم ابن هشام في (السيرة) بأنه سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله. وفي حديث سعيد بن يربوع عند الحاكم والدارقطني: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم: الحويرث بن نقيد) بضم النون وفتح القاف مصغر (وهلال ابن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي سرح. قال: فأما هلال بن خطل فقتله الزبير). وروى البزار والبيهقي في (الدلائل) نحوه من حديث سعد بن أبي وقاص، لكن قال: أربعة نفر، وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة. لكن قال: عبد الله بن خطل، بدل: هلال، وقال عكرمة: بدل، الحويرث، ولم يسم المرأتين. وقال: فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا. وكان أثبت الرجلين فقتله، وروى ابن أبي شيبة والبيهقي في (الدلائل) من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة (عن أنس: أمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس يوم فتح مكة إلا أربعة من الناس: عبد العزى بن خطل، ومقيس بن صبابة الكناني، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأم سارة. فأما عبد العزى بن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة). وقال أبو عمر: فقتل بين المقام وزمزم، وروى الحاكم من طريق أبي معشر عن يوسف بن يعقوب عن السائب بن زيد، قال: فأخذ عبد الله بن خطل من تحت أستار الكعبة فقتل بين المقام وزمزم، وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي أن أبا برزة الأسلمي قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ورواه أحمد من وجه آخر وهو أصح ما ورد في تعيين قاتله. وبه جزم البلاذري وغيره. وأهل العلم بالأخبار. وتحمل بقية الروايات على أنهم ابتدروا قتله، فكان المباشر لقتله أبو برزة.
وقد جمع الواقدي عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح، وأمر بقتله عشرة أنفس: ستة رجال وأربع نسوة، والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله (من دخل المسجد فهو آمن) ما رواه ابن إسحاق في المغازي: (حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»