العقور اسم لكل عاقر حتى اللص القاتل، وعلى هذا فيستقيم قياس الشافعية على الخمس ما كان في معناها، ولكن يعكر على هذا عدم إفراده بالذكر، فإن قالوا: إنه من باب عطف الخاص على العام، وهو تأكيد للخاص كقوله تعالى: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمن: 86). قلنا: قد جاء في بعض الروايات مؤخر الذكر ومتوسطا، هكذا في الصحيح وغيره، واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه، فصرح بتحريمه القاضيان حسين والماوردي وغيرهما، ووقع للشافعي في (الأم) الجواز، واختلف كلام النووي، فقال في البيع من (شرح المهذب): لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله، وقال في التيمم والغصب: إنه غير محترم، وقال في الحج: يكره قتله كراهة تنزيه، وهذا اختلاف شديد، وعلى كارهة قتله اقتصر الرافعي، وتبعه في (الروضة) وزاد: إنها كراهة تنزيه، وذهب الجمهور إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم إلا أنهم اختلفوا في المعنى، فقيل: لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ، وقيل: كونها مما لا يؤكل، فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على الحرم في قتله، وهذا قضية مذهب الشافعي.
وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة إلى المحرم ثلاثة أقسام: قسم يستحب: كالخمس وما في معناها مما يؤذي. وقسم: يجوز: كسائر ما لا يؤكل لحمه. وهو قسمان: ما يحصل منه نفع وضر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد، ولا يكره لما فيه من العدوان. وقسم ليس فيه نفع ولا ضر، فيكره قتله ولا يحرم. والقسم الثالث: ما أبيح أكله أو نهى عن قتله، فلا يجوز وفيه الجزاء إذا قتله المحرم.
قلت: أصحابنا اقتصروا على الخمس إلا أنهم ألحقوا بها: الحية لثبوت الخبر، والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية، وألحقوا بذلك ما ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها، وقال بعضهم، وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو: الأذى الطبيعي والعدوان المركب، والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدى الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى. انتهى. قلت: نص النبي صلى الله عليه وسلم على قتل خمس من الدواب في الحرم والإحرام، وبين الخمس ما هن، فدل هذا أن حكم غير هذا الخمس غير حكم الخمس، وإلا لم يكن للتنصيص على الخمس فائدة. وقال عياض: ظاهر قول الجمهور أن المراد أعيان ما سمى في هذا الحديث، وهو ظاهر قول مالك وأبي حنيفة، ولهذا قال مالك: لا يقتل المحرم الوزغ، وإن قتله فداه، ولا يقتل خنزيرا ولا قردا مما لا ينطلق عليه اسم الكلب في اللغة إذ فيه جعل الكلب صفة لا اسما، وهو قول كافة العلماء، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس) فليس لأحد أن يجعلهن ستا ولا سبعا، وأما قتل الذئب فلا يحتاج فيه أن نقول: إنه يقتل لمشاركته للكلب في الكلبية، بل نقول: يجوز قتله بالنص، وهو ما رواه الدارقطني عن نافع، قال: سمعت ابن عمر يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب والفأرة. قال يزيد بن هارون، يعني: المحرم. وقال البيهقي: وقد روينا ذكر الذئب من حديث ابن المسيب مرسلا جيدا، كأنه يريد قول ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عمر عن حرملة عن سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن حرملة عن سعيد به، قال: وحدثنا وكيع عن سفيان عن سالم عن سعيد عن وبرة عن ابن عمر: يقتل المحرم الذئب، وعن قبيصة: يقتل الذئب في الحرم، وقال الحسن وعطاء: يقتل المحرم الذئب والحية، وأما إذا عدا على المحرم حيوان، أي حيوان كان، وصال عليه فإنه يقتله، لأن حكمه حينئذ يصير كحكم الكلب العقور.
9281 حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلهن في الحرم. الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور.
[/ نه (الحديث 9281 طرفه في: 4133).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: يحيى بن سليمان بن بن يحيى بن سعيد الجعفي المقري، قدم مصر وحدث بها، وتوفي بها سنة ثمان أو سبع وثلاثين ومائتين. الثاني: عبد الله بن وهب. الثالث: يونس بن يزيد. الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الخامس: عروة بن الزبير بن العوام. السادس: أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: الإخبار بصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: أن شيخه من أفراده، وأنه كوفي وأن ابن وهب مصري وأن يونس أيلي وأن ابن شهاب