أبو عوانة في (المستخرج) من طريق المحارمي عن هشام عن أبيه عنها، فذكر الخمسة وزاد: الحية. وقال عياض: جاء في غير كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا، وفيه نظر، لأن الأفعى تدخل في مسمى الحية، وروى ابن خزيمة وابن المنذر زيادة على الخمس، وهي: الذئب والنمر، فتصير بهذا الاعتبار تسعر، ولكن قال ابن خزيمة عن الذهلي: أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور، وقد جاء حديث أخرجه ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقتل المحرم الحية والعقرب والسبع العادي والكلب العقور والفأرة الفويسقة. فقيل له: لم قال لها: الفويسقة؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ لها، وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت، وهذا لم يذكر فيها الغراب والحدأة، وذكر عوضهما الحية والسبع العادي، وأخرجه أبو داود عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم؟ قال: الحية والعقرب والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور والحدأة، والسبع العادي. وقال الطحاوي: فهذا ما أباح النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم قتله في إحرامه، وأباح للحلال قتله في الحرم، وعد ذلك خمسا، فذلك ينفي أن يكون إشكال شيء من ذلك كحكم هذه الخمس إلا ما اتفق عليه من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عناه. قلت: الحاصل مما قاله أن التنصيص على الأشياء المذكورة بالعدد ينافي أن يكون أمثاله وأنظاره كهذه الخمس في الحكم، ألا ترى أنه ذكر الحدأة، والغراب وهما من ذوي المخلب من الطيور وعينهما؟ فلا يلحق بها سائر ذوي المخالب من الطيور كالصقر والبازي والشاهين والعقاب ونحوهما، وهذا بلا خلاف، إلا أن من علل بالأذى يقول: أنواع الأذى كثيرة مختلفة، فكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى من السبع ونحوه من ذوات السموم: كالحية والزنبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض: كابن عرس، وبالغراب والحدإة، على ما يشاركهما في الأذى بالاختطاف كالصقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر: كالأسد والفهد، ومن علل بتحريم الأكل قال: إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم أذاها. فإن قلت: فعلى ما ذكرت عن الطحاوي ينبغي أن لا يجوز قتل الحية للمحرم؟ قلت: قوله: إلا ما اتفق عليه من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عناه، أشار إلى جواز قتل الحية لأنها من جملة ما عناه من ذلك، وكيف وقد جاء عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بقتل الحية في منى، وجاء أن إحدى الخمس هو الحية، فيما رواه أبو داود وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري وقد ذكرناه؟
الوجه الثاني في حكم الغراب: فقال صاحب (الهداية): المراد بالغراب آكل الجيف، وهو الأبقع، روي ذلك عن أبي يوسف، واحتج في ذلك بما رواه مسلم من حديث سعيد بن المسيب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع)، وقد مر عن قريب تفسير الإبقع. وقال القرطبي: هذا تقييد لمطلق الروايات التي ليس فيها الأبقع، وبذلك قالت طائفة، فلا يجيزون إلا قتل الأبقع خاصة، وطائفة رأوا جواز قتل الأبقع وغيره من الغربان، ورأوا أن ذكر الأبقع إنما جرى لأنه الأغلب. قلت: الروايات المطلقة محمولة على هذه الرواية المقيدة التي رواها مسلم، وذلك لأن الغراب إنما أبيح قتله لكونه يبتدئ بالأذى، ولا يبتدئ بالأذى إلا الغراب الأبقع، وأما الغراب غير الأبقع فلا يبتدئ بالأذى، فلا يباح قتله: كالعقعقق وغراب الزرع. ويقال له: الزاغ، وافتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع. ومنها: الغداف، على الصحيح في مذهب الشافعي، ذكره في (الروضة) بخلاف ما ذكره الرافعي، وسمى ابن قدامة الغداف: غراب البين، المعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع قلت: قال أصحابنا: المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا، وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد الذي رواه أبو داود، وقد ذكرناه، وفيه: (ويرمي الغراب ولا يقتله)، وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن علي ومجاهد، وقال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا ما جاء عن عطاء، قال في محرم كسر قرن غراب، قال: إن أدماه فعليه الجزاء! وقال الخطابي: لم يتابع أحد عطاء على هذا. انتهى. وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة: هل يتقيد جوازهما بأن يبتدئا بالأذى؟ وهل يختص ذلك بكبارهما؟ والمشهور عنهم ما قاله ابن شاش: لا فرق وفاقا للجمهور.
ومن أنواع الغربان: العقعق، وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، وقيل: سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، وبهذا يظهر أنه نوع من الغربان، والعرب