وعروة مدنيان. وفيه: أن البخاري يروي عن يحيى بن سليمان بقوله: حدثنا، ويروي، وحدثني، يحيى، بالعطف وصيغة الإفراد. وفيه: يروي ابن وهب عن ابن شهاب عن عروة، وفي الحديث السابق: يروي ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله ابن عمر عن حفصة، فظهر من ذلك أن لابن وهب عن يونس عن الزهري إسنادين: سالم عن أبيه عن حفصة، وعروة عن عائشة. وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة. قال الحميدي عن سفيان: حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه، فقيل له: فإن معمرا يرويه: عن الزهري عن عروة عن عائشة، فقال: حدثنا والله الزهري، ولم يذكر عروة. انتهى. وطريق معمر الذي ذكره رواه البخاري في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عنه، ورواه النسائي من طريق عبد الرزاق عنه، ورواه أيضا سعيد بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند النسائي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد تابع الزهري عن عروة عن هشام بن عروة. وأخرجه مسلم عن الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه (عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس فواسق يقتلن في الحرم: العقرب والفأرة والحديا والغراب والكلب العقور.
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى. وأخرجه النسائي فيه عن يونس بن عبد الأعلى، كلهم عن ابن وهب عن يونس به، وروى أحمد في (مسنده) بسند صالح عن ابن عباس يرفعه: (خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ويقتلن في الحرم: الحية والفأرة..) الحديث. وروى الترمذي من حديث أبي سعيد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (يقتل المحرم السبع العادي والكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب). وروى البيهقي من رواية إبراهيم عن الأسود (عن ابن مسعود: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر محرما بقتل حية بمنى).
ذكر معناه: قوله: (فاسق)، مرفوع على أنه خبر لمبتدأ، وهو قوله: (كلهن)، وهذه الجملة في محل الرفع على أنها خبر لقوله: (خمس)، وهو قد تخصص بالصفة. قوله: (يقتلن)، الضمير الذي فيه يرجع إلى قوله: (خمس)، وليس يرجع إلى معنى: كل، كما قاله بعضهم. وفي رواية مسلم من هذا الوجه: (كلها فواسق)، وفي روايته التي تأتي في بدء الخلق: (خمس فواسق). قال النووي: هو بإضافة: خمس، لا بتنوينه، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين، وأشار إلى ترجيح الثاني، فإنه قال: رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الخكم من طريق المفهوم، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى، فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفا وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب. قلت: هذا مبني على معرفة معنى الفسق، فإن كان المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق خروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله يكون معنى الكلبية فيه ظاهرا. وإن كان المعنى خروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد لا يكون معنى الكلبية فيه ظاهرا. فافهم. والفسق في أصل كلام العرب: الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وقوله تعالى: * (ففسق عن أمر ربه) * (الكهف: 05). أي: خرج، وسمي الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه، وهو خروج مخصوص، وسميت هذه الخمس فواسق لخروجها عن الحرمة التي لغيرهن وأن قتلهن للمحرم وفي الحرم مباح، فالغراب ينقر ظهر البعير وينزع عينه إذا كان مسيرا، ويختلس أطعمة الناس، والحدأة كذلك تختلس اللحم والفراريج، والعقرب تلدغ وتؤلم، والفأرة تسرق الأطعمة وتفسدها وتقرض الثياب وتأخذ الفتيلة من السراج وتضرم بها البيت، والكلب العقور يجرح الناس. قوله: (يقتلن في الحرم) على صيغة المجهول، وقد تقدم في رواية نافع في أول الباب: (ليس على المحرم في قتلهن جناح)، وفي رواية زيد بن جبير: (يقتل المحرم)، وفي رواية حفصة: (لا حرج على من قتلهن)، وفي رواية مسلم من حديث الزهري عن عروة بلفظ: (يقتلن في الحل والحرم)، وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود: (خمس قتلهن حلال)، وعند مسلم في حديث زيد بن جبير أنه أي النبي، صلى الله عليه وسلم (أمر أو أمر أن تقتل الفأرة...) الحديث. وفي رواية له: (كان يأمر بقتل الكلب العقور)، وفي رواية له: (خمس من قتلهن وهو حرام فلا جناح عليه فيهن: الفأرة...) الحديث، وفي رواية الليث عن نافع بلفظ: (إذن)، وحاصل الكل يرجع إلى أن قتل هذه الخمسة فليس فيه إثم على المحرم وفي الحرم، وعلى الحلال بالطريق الأولى، وبقية الكلام قد مرت عن قريب.