هذا طريق آخر فيه تمام ما في الطرق المتقدمة، فلذلك عطفه عليها بالواو. وأخرجه عن إصبغ بن الفرج عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله عن أخته حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن لطائف إسناد هذا الحديث رواية التابعي عن التابعي، ورواية الصحابي عن الصحابية، ورواية الأخ عن أخته.
قوله: (قالت حفصة)، وفي رواية الإسماعيلي: عن حفصة، وهذا والذي قبله قد يوهم أن عبد الله بن عمر ما سمع هذا الحديث من النبي، صلى الله عليه وسلم، لكن وقع في بعض طرق نافع عنه: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم من طريق ابن جريج وتابعه محمد بن إسحاق، ثم ساقه من طريق ابن إسحاق عن نافع كذلك حيث قال: وحدثنيه فضيل بن سهل، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن نافع وعبيد الله بن عبد الله عن ابن عمر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس لا جناح في قتل ما قتل منهن في الحرم...) الحديث. وظهر من هذا أن ابن عمر سمع هذا الحديث من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أيضا يحدث به حين سئل. وأخرجه مسلم أيضا: حدثني حرملة بن يحيى، قال: أخبرنا ابن وهب، أخبرنا يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر، قال: قالت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من الدواب كلها فاسق لا حرج على من قتلهن:
العقرب والغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور). وأخرجه النسائي أيضا عن عيسى بن إبراهيم عن ابن وهب.
ذكر معناه: قوله: (الغراب) أي: إحدى الخمس من الدواب الغراب، قال أبو المعاني: هو واحد الغربان وجمع القلة: أغربة، وقيل: سمي غرابا لأنه نأى واغترب لما تفقده نوح، عليه السلام، يستخبر أمر الطوفان، ويجمع على: غرب، أيضا وعلى أغرب. وفي (الحيوان) للجاحظ: الغراب الأبقع غريب، وهو غراب البين، وكل غراب فقد يقال له: غراب البين إذا أرادوا به الشؤم إلا غراب البين نفسه غراب صغير، وإنما قيل لكل غراب: غراب البين، لسقوطه في مواضع منازلهم إذا باتوا. وناس يزعمون أن تسافدها على غير تسافد الطير، وإنها تزلق بالمناقير وتلقح من هنالك. وقيل: إنهم يتسافدون كبني آدم، أخبر بذلك جماعة شاهدوه. وفي (الموعب): الغراب الأبقع هو الذي في صدره بياض. وفي (المحكم): غراب أبقع يخالط سواده بياض، وهو أخبثهما، وبه يضرب المثل لكل خبيث، وقال أبو عمر: هو الذي في بطنه وظهره بياض. قوله: (والحدأة) بكسر الحاء وبعد الدال ألف ممدودة بعدها همزة مفتوحة، وجمعها: جدء، مثل عنب، وحدآن، كذا في (الدستور). وقال الجوهري: ولا يقال: حداة، وفي (المطالع): الحدأة لا يقال فيها إلا بكسر الحاء، وقد جاء الحداء يعني بالفتح، وهو جمع حدأة، وجاء الحديا على وزن الثريا. قوله: (والفأرة) واحدة الفيران وفيرة، ذكره ابن سيده. وفي (الجامع): أكثر العرب على همزها. قوله: (والعقرب) قال ابن سيده: العقرب يكون للذكر والأنثى، وقد يقال للأنثى عقربة، والعقربان الذكر منها. وفي (المنتهى): الأنثى عقرباء، ممدود غير مصروف، وقيل: العقربان دويبة كثيرة القوائم غير العقرب، وعقربة شاذة، ومكان معقرب بكسر الراء ذو عقارب، وأرض معقربة، وبعضهم يقول: معقرة، كأنه رد العقرب إلى ثلاثة أحرف ثم بنى عليه، وفي (الجامع): ذكر العقارب عقربان، والدابة الكثيرة القوائم عقربان، بتشديد الباء. قوله: (والكلب العقور)، قال أبو المعاني: جمع الكلب أكلب وكلاب وكليب، وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد إلا القليل، نحو: عبد وعبيد، وجمع الأكلب أكالب، وفي (المحكم): وقد قالوا في جمع الكلاب كلابات، والكالب كالجامل جماعة الكلاب، والكلبة أنثى الكلاب، وجمعها كلبات ولا يكسر، وسنذكر معنى العقور وما المراد منه.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه:
الأول: أنه يستفاد من الحديث جواز قتل هذه الخمسة من الدواب للمحرم، فإذا أبيح للمحرم فللحلال بالطريق الأولى، ثم التقييد بالخمس، وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك، ولكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثرين، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله، صلى الله عليه وسلم، أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم فقد ورد في حديث أخرجه مسلم عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، تقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (أربع كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والغراب والفأرة والكلب العقور). انتهى. وأسقط العقرب، وورد عنها أيضا: ست، أخرجه