عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٨٧
مطابقته للترجمة في قوله ' ولا يعضد بها شجرة ' وهذا الحديث قد مر بتمامه في كتاب العلم في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب وقد ذكر هناك أكثر ما يتعلق به ونستوفي ههنا جميع معانيه وإن وقع فيه تكرار فإن التكرار يفيد الناظر فيه خصوصا إذا لم يقدر على ما ذكر هناك إما لبعد المسافة أو لوجه آخر وهذا الحديث قد أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن الليث عن سعيد وهنا عن قتيبة عن الليث عن سعيد قوله ' عن أبي شريح العدوي ' زاد هنا العدوي قيل نظر فيه لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة بن لحي بطن من خزاعة ولهذا يقال له الكعبي أيضا لا عدوي وليس هو من بني عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر (قلت) يحتمل أنه كان حليفا لبني عدي بن كعب من قريش قوله ' عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح ' وفي رواية ابن أبي ذئب ' عن سعيد سمعت أبا شريح ' أخرجه أحمد واختلف في اسمه فالمشهور أنه خويلد بن عمرو أسلم قبل الفتح وسكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين آخرين قوله ' لعمرو بن سعيد ' هو عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق لطيم الشيطان ليست له صحبة وعرف بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضي الله تعالى عنه فأصابه لقوة ولاه يزيد بن معاوية المدينة وكان أحب الناس إلى أهل الشام وكانوا يسمعون له ويطيعونه وكتب إليه يزيد أن يوجه إلى عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه جيشا فوجهه واستعمل عليهم عمرو بن الزبير بن العوام وقال الطبري كان قدوم عمرو بن سعيد واليا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين وقيل قدمها في رمضان منها وهي السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة فامتنع ابن الزبير من بيعته وأقام بمكة فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمر عليهم عمرو بن الزبير وكان معاديا لأخيه عبد الله وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطة ثم أرسله إلى قتال أخيه فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع وجاءه أبو شريح فذكر القصة فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهمهم بالميل إلى أخيه فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب قوله ' وهو يبعث البعوث ' جملة حالية والبعوث جمع البعث وهو الجيش بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر والمراد به الجيش المجهز للقتال قوله ' إيذن ' أصله اأذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قوله ' أيها الأمير ' أصله يا أيها الأمير فحذف حرف النداء منه قوله ' قام به رسول الله ' جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله ' قولا ' وانتصاب قولا على المفعولية قوله ' الغد ' بالنصب أي الثاني من يوم الفتح قوله ' سمعته أذناي ' أي حملته عنه بغير واسطة وذكر الأذنين للتأكيد قوله ' ووعاه قلبي ' أي حفظه وهو تحقيق لفهمه وتثبته قوله ' وأبصرته عيناي ' زيادة تأكيد في تحقق ذلك قوله ' حين تكلم به ' أي بذاك القول المذكور وأشار بهذا إلى أن سماعه منه لم يكن مقتصرا على مجرد الصوت بل كان مع المشاهدة والتحقق بما قاله قوله ' إنه حمد الله ' بيان لقوله ' تكلم ' قوله ' حرمها الله ' أي حكم بتحريمها وقضاه به وفيه حجة لمن يرى الملتجىء إلى مكة ممن عليه دم لا يقتل فيها لأن معنى تحريم الله إياها أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له وهو معنى قوله تعالى * (ومن دخله كان آمنا) * (فإن قلت) جاء في حديث أنس أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرم مكة وسيجئ في الجهاد (قلت) قيل إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده وقيل إن الله تعالى قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام سيحرم مكة وقيل أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وقال القرطبي معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل قال ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ' ولم يحرمها الناس ' والمراد بقوله ' ولم يحرمها الناس ' أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه وقيل المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم وقيل معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق وليست مما اختصت به شريعة النبي قوله ' ولا يعضد ' بصيغة المعلوم والضمير الذي فيه يرجع إلى امرئ أي ولا يقطع قوله ' بها ' أي بمكة ووقع في رواية معمر بن شبة بلفظ ' لا يخضد ' بالخاء المعجمة بدل العين المهملة وهو يرجع إلى معنى يعضد لأن أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع وكلمة لا في ' ولا يعضد ' زائدة لتأكيد النفي قوله ' فإن أحد
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»