عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٣٢
مسلم في الحج أيضا عن ابن أبي عمر عن معن بن عيسى. وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي. وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين، ولفظ مسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا، ثم قال: لا إلاه إلا الله...) إلى آخره، وأخرجه الترمذي من حديث البراء وصححه، وروى أبو نعيم الحافظ (عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يريد سفرا: أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف). وعن أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفا قال: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال). وعن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفره قال: آيبون تائبون لربنا حامدون. فإذا دخل على أهله قال: توبا توبا أوبا أوبا، لا يغادر علينا حوبا). وروى الدارقطني (عن جابر: كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا).
ذكر معناه: قوله: (إذا قفل)، قال في (المحكم) قفل القوم: يقفلون قفولا، ورجل قافل من قوم قفال، والقفول: الرجوع. وفي (شرح الفصيح) لابن هشام: القافلة الراجعة، فإن كانت خارجة فهي الصائبة، سميت بذلك على وجه التفاؤل كأنها تصيب كل ما خرجت إليه. وفي (الجامع): يقفلون ويقفلون ولا يكون القافل إلا الراجع إلى وطنه. وفي (الفصيح): أقفلت الجند وقفلوا هم. وفي (النهاية): يقال للسفر قفول في الذهاب والمجيء. وأكثر ما يستعملون في الرجوع، ويقال: قفل إذا رجع، ومنه تسمى القافلة. قوله: (على كل شرف)، بفتحتين وهو المكان العالي. وقال الجوهري: جبل مشرف عال. وقال الفراء: أشرف الشيء علا وارتفع . وفي (المحكم) أشرف الشيء وعلا الشيء: علاه، وأشرف عليه. قوله: (آيبون)، أي: راجعون إلى الله، وفيه إيهام معنى الرجوع إلى الوطن، يقال: آب إلى الشيء أوبا وإيابا أي: رجع، وأوبته إليه وأبت به. وقيل: لا يكون الإياب إلا الرجوع إلى أهله ليلا وفي (المعاني) عن أبي زيد: آب يؤب إيابا وإيابة إذا تهيأ للذهاب وتجهز. وقال غيره: آب يئيب آييبا وإيتيب إيتابا إذا تهيأ. وارتفاع (آيبون) على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: نحن آيبون، وكذا ارتفاع (تائبون) و (عابدون) و (ساجدون). قوله: (تائبون) من التوبة، وهو رجوع عما هو مذموم شرعا إلى ما هو محمود شرعا. قوله: (لربنا) إما خاص بقوله: (ساجدون)، وإما عام لسائر الصفات على سبيل التنازع. قوله: (وهزم الأحزاب) أي: هزمهم يوم الأحزاب. والأحزاب هم الطائفة المتفرقة الذين اجتمعوا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على باب المدينة، فهزمهم الله تعالى بلا مقاتلة وإيجاف خيل ولا ركاب. وقال عياض: ويحتمل أن يريد أحزاب الكفرة في جميع الأيام والمواطن، ويحتمل أن يريد الدعاء كأنه قال: اللهم افعل ذلك وحدك، وخص استعمال هذا الذكر هنا لأنه أفضل ما قاله النبيون قبله.
وفيه من الفقه: استعمال حمد الله تعالى والإقرار بنعمه والخضوع له والثناء عليه عند القدوم من الحج والجهاد على ما وهب من تمام المناسك، وما رزق من النصر على العدو، والرجوع إلى الوطن سالمين، وكذلك إحداث حمد الله تعالى والشكر له على ما يحدث لعباده من نعمه، فقد رضي من عباده بالإقرار له بالوحدانية والخضوع له بالربوبية، والحمد والشكر عوضا عما وهبهم من نعمه تفضلا عليهم ورحمة لهم. وفيه: بيان أن نهيه عن السجع في الدعاء على غير التحريم لوجود السجع في دعائه ودعاء أصحابه، ويحتمل أن يكون نهيه عن السجع مختصا بوقت الدعاء خشية أن يشتغل الداعي بطلب الألفاظ المناسبة للسجع ورعاية الفواصل عن إخلاص النية وإفراغ القلب في الدعاء والاجتهاد فيه.
31 ((باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة)) أي: هذا باب في بيان استقبال الحاج القادمين. قال الكرماني: لفظ القادمين بالجمع صفة للحاج. لأن الحاج في معنى الجمع كقوله تعالى: * (سامرا تهجرون) * (المؤمنون: 76). قلت: الحاج في الأصل مفرد، يقال: رجل جاج وامرأة حاجة ورجال حجاج ونساء حواج، وربما أطلق الحاج على الجماعة مجازا واتساعا. وقال الزمخشري: السامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع. قوله: (والثلاثة): قال الكرماني: ولفظ الثلاثة عطف على الاستقبال. قلت: تقديره على هذا استقبال الثلاثة حال كونهم على الدابة. وقال الكرماني: وفي بعضها الغلامين، أي: وفي بعض النسخ: باب استقبال الحاج الغلامين، ثم قال: وتوجيهه مع إشكاله أن يقرأ الحاج، بالنصب
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»