عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٣٧
وفتح الباء الموحدة. قوله: (فكأنه عير)، بضم العين المهملة على صيغة المجهول من التعيير. وهو التعييب. وقال الجوهري: يقال، عيره كذا، والعامة تقول: عيره بكذا، قوله: (فنزلت) أي: هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: * (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) * (البقرة: 981). الآية. وحديث الباب يدل على أن سبب نزول هذه الآية ما ذكر فيه. وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم في (تفسيره): حدثنا زيد بن حباب عن موسى بن عبيدة: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فنزلت الآية. وحدثنا عصام بن رواد حدثنا آدم عن ابن شيبة عن عطاء، قال: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عندهم دخلوا البيوت من ظهورها، ويريدون أن ذلك أدنى إلى البر، فقال الله تعالى: * (وليس البر) * (البقرة: 981). الآية. وحدثنا الحسن بن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار، حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن، قال: كان أقوام من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو خرج من بيته يريد سفرا، ثم بدا له من بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره الذي خرج له لم يدخل البيت من بابه، ولكن يتسوره من قبل ظهره تسورا، فنزلت الآية. وقال الزجاج: كان قوم من قريش وجماعة معهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها ولم يتيسر له رجع فلم يدخل من باب بيته سنة يفعل ذلك طيرة، فأعلمهم الله تعالى أن هذا غير بر. وقال النسفي: كانت الحمس، وهم المشددون على أنفسهم من بني خزاعة وبني كنانة في الجاهلية وبدء الإسلام، إذا أحرموا أو اعتكفوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها، فإن كانت في بيوتهم من الخيام رفعوا ذيولها، وإن كانت من المدر نقبوا في ظهور بيوتهم فدخلوا منها، أو من قبل السطح. وقالوا: لا ندخل بيوتا من الباب حتى ندخل بيت الله، وكان منهم من لا يستظل تحت سقف بعد إحرامه، ولا يدخل بيتا من بابه ولا من خلفه، ولكن يصعد السطح فيأمر بحاجته من السطح، وهذه الأشياء وضعوها من عند أنفسهم من غير شرع، فعرفهم الله تعالى أن هذا التشديد ليس ببر، ولا قربة. وفي (التلويج) وقال الأكثرون من أهل التفسير: إنهم الحمس، وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة كانوا إذا أحرموا لا يأفطون الأقط، ولا ينتفعون الوبر، ولا يسلون السمن، وإذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته، فنزلت الآية. فإن قلت: متى نزلت الآية المذكورة؟ قلت: روى أبو جعفر في (تفسيره): حدثنا عمرو بن هارون، حدثنا عمرو بن حماد حدثنا أسباط (عن السدي: كان ناس من العرب إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها، كانوا ينقبون من أدبارها، فلما حج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك، وهو مسلم، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس الرجل خلفه، وقال يا رسول الله! إني أحمس. يقول: محرم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أيضا أحمس، فادخل فدخل الرجل فنزلت الآية) وروى ابن جرير من حديث ابن عباس أن القصة وقعت أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وفي إسناده ضعف، وجاء في مرسل الزهري أن ذلك وقع في عمرة الحديبية.
91 ((باب السفر قطعة من العذاب)) أي: هذا باب يذكر فيه السفر قطعة من العذاب، قيل: أشار البخاري بإيراد هذه الترجمة في أواخر أبواب الحج والعمرة إلى أن الإقامة في الأهل أفضل من المجاهدة، ورد بأنه أشار إلى حديث عائشة، بلفظ: (إذا قضى أحدكم حجه فليعجل إلى أهله). قلت: لا وجه لما ذكروا، بل الوجه أن المذكور في الأبواب السبعة المذكورة قبل هذا الباب كلها واقع في ضمن السفر، والسفر لا يخلو عن مشقة من كل وجه، فناسب أن ينبه على شيء من حال السفر، فذكر هذا الحديث. (السفر قطعة من العذاب)، وترجم عليه، وروي: (السفر قطعة من النار)، ولا أعلم صحته.
4081 حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله.
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»