عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٥٣
ذكر معناه: قوله: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير) قال ابن بطال: استلامه بالمحجن راكبا يحتمل أن يكون لشكوى به. قلت: روى أبو داود: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته، فلما أتى على الركن استلم بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين). وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وفيه مقال. قوله: (يستلم) جملة وقعت حالا. قوله: (الركن) أي: الحجر الأسود، وقال النووي: قال أصحابنا: الأفضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه، أو كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتي ويقتدي به، فإن كان لغير عذر جاز بلا كراهة، لكنه خلاف الأولى، وقال أمام الحرمين: من أدخل البهيمة التي لا يؤمن من تلويثها المسجد بشيء. فإن أمكن الاستيثاق فذاك، وإلا فإدخالها المسجد مكروه، وجزم جماعة من أصحابنا بكراهة الطواف راكبا من غير عذر، منهم الماوردي والبندنيجي وأبو الطيب والعبدري، والمشهور الأول والمرأة والرجل في ذلك سواء، والمحمول على الأكتاف كالراكب، وبه قال أحمد وداود وابن المنذر، وقال مالك وأبو حنيفة: إن طاف راكبا لعذر أجزأه، ولا شيء عليه، وإن كان لغير عذر فعليه دم. قال أبو حنيفة: وإن كان بمكة أعاد الطواف، فلو طاف زحفا مع القدرة على القيام فهو صحيح، لكنه يكره، وقال أبو الطيب في (التعليقة): طوافه زحفا كطوافه ماشيا منتصبا، لا فرق بينهما، واعتذروا عن ركوب سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأن الناس كثروا عليه وغشوه بحيث إن العواتق خرجن من البيوت لينظرن إليه، أو لأنه يستفتى، أو لأنه كان يشكو كما تقدم، واستدل المالكيون بأن في الحديث دلالة على طهارة بول البعير، وذهب أبو حنيفة والشافعي في آخرين إلى نجاسته.
ذكر ما يستفاد منه: أنه إذا عجز عن تقبيل الحجر استلمه بيده أو بعصا، ثم قبل ما استلم به، كما مر في (صحيح مسلم) من حديث أبي الطفيل. وقال القاضي عياض: وانفرد مالك عن الجمهور، فقال: لا يقبل يده، وإذا عجز عن الاستلام أشار بيده أو بما في يده، ولا يشير إلى القبلة بالفم، لأنه لم ينقل ويراعى ذلك في كل طوفة، فإن لم يفعل فلا شيء عليه. قال المهلب: واستلامه صلى الله عليه وسلم بالمحجن يدل على أنه ليس بفرض، وإنما هو سنة. ألا ترى إلى قول عمر، رضي الله تعالى عنه: لولا أني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبلك ما قبلتك.
ومما يستفاد منه: أن في قوله في حجة الوداع ردا على من كره تسمية حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجة الوداع والمنكر غالط. وقال المهلب: وفيه: أنه لا يجب أن يطوف أحد في وقت صلاة الجماعة إلا من وراء الناس، ولا يطوف بين المصلين وبين البيت، فيشغل الإمام والناس ويؤذيهم، وترك أذى المسلم أفضل من صلاة الجماعة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا).
تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري عن عمه أي: تابع يونس عن ابن شهاب عبد العزيز الدراوردي، بفتح الدال المهملة والراء وفتح الواو وسكون الراء وكسر الدال، وقد تقدم في: باب الصلوات الخمس كفارة، وهو يروى عن محمد بن عبد الله ابن أخي محمد بن مسلم الزهري، وتقدم هو في: باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وأخرج هذه المتابعة الإسماعيلي عن الحسن: حدثنا محمد بن عباد المكي، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن ابن أخي الزهري عن عمه عن عبيد الله (عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت يستلم الركن بالمحجن).
95 ((باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين)) أي: هذا باب يذكر فيه من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، أي: دون الركنين الشاميين، والياء في اليمانيين مخففة على المشهور، لأن الألف فيه عوض عن ياء النسبة، فلو شددت يلزم الجمع بين العوض والمعوض، وجوز سيبويه التشديد، وقال: إن الألف زائدة كما زيدت النون في صنعاني، وهما: الركن الأسود والركن اليماني الذي يليه، فقيل لهما: اليمانيان، تغليبا، كما يقال: الأبوان.
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»