عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٤٩
والشفقة، أي: لم يمنعه صلى الله عليه وسلم من أمرهم بالرمل في الكل إلا الرفق بهم، وقال القرطبي: رويناه بالرفع على أنه فاعل يمنعهم، ويجوز النصب على أن يكون مفعولا من أجله.
ذكر ما يستفاد منه فيه: الرمل في الطواف. واختلف العلماء فيه: هل هو سنة من سنن الحج لا يجوز تركها؟ أوليس بسنة لأنه كان لعلة وقد زالت، فمن شاء فعله اختيارا؟ فروي عن عمر وابن مسعود وابن عمر: أنه سنة، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. وقال آخرون: ليس بسنة، فمن شاء فعله ومن شاء تركه، روى ذلك عن جماعة من التابعين منهم طاووس وعطاء والحسن والقاسم وسالم، وروي ذلك عن ابن عباس وجمهور العلماء، على أن الرمل من الحجر إلى الحجر، وفي (التوضيح): ثم الجمهور على أنه يستوعب البيت بالرمل، وفي قول: لا يرمل بين الركنين اليمانيين، والمرأة لا ترمل بالإجماع لأنه يقدح في الستر وليست من أهل الجلد ولا تهرول أيضا بين الصفا والمروة في السعي، ورواه الشافعي عن ابن عمر وعائشة وجماعة، فإن ترك الرمل في الطواف والهرولة في السعي بين الصفا والمروة، ثم ذكر وهو قريب، فمرة قال مالك: يعيد، ومرة قال: لا يعيد، وبه قال ابن القاسم، واختلف أيضا هل عليه دم أم لا. وفيه: جواز تسمية الطوفة شوطا. ونقل عن الشافعي كراهته. وفي (الأم): قال الشافعي: لا يقال شوط ولا دور، وعن مجاهد: لا تقولوا شوطا ولا شوطين، ولكن قولوا: دورا اودورين. وفيه: ما يؤخذ جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء. وفيه: جواز المعاريض بالفعل، كما يجوز بالقول، وربما يكون بالفعل أولى.
65 ((باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثا)) أي: هذا باب في بيان استلام الحجر الأسود، والاستلام هو المسح باليد، مشتق من السلام الذي هو التحية. وقيل: من السلام بكسر السين، وهو الحجارة. وقال ابن سيدة: استلم الحجر واستلأمه، بالهمزة، أي: قبله أو اعتنقه، وليس أصله الهمز، ويقال استلمت الحجر إذ لمسته. كما يقال: اكتحلت من الكهل، وفي (الجامع) وقيل: هو استفعل من اللأمة، واللأمة هي الدرع والسلاح وإنما يلبس اللامة ليمتنع بها من الأعداء، فكان هذا إذا لمس الحجر فقد تحصن من العذاب. قوله: (أول)، منصوب على الظرف، ظرف للاستلام. قوله: (ثلاثا) أي: ثلاث مرات.
3061 حدثنا أصبغ بن الفرج قال أخبرني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب ثلاثة أطواف من السبع.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة جدا لأن معناه معنى الترجمة سواء، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس بن يزيد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، وسالم بن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه عبد الله.
وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي الظاهر. وحرملة، وأخرجه النسائي فيه عن أبي الطاهر وسليمان بن داود، كلهم عن ابن وهب به.
قوله: (إذا استلم) ظرف لا شرط، وبدل عن قوله: (حين يقدم). قوله: (أول)، نصب على الظرف مضاف إلى كلمة: ما، المصدرية. قوله: (يخب) في محل النصب على أنه مفعول ثان لقوله: (رأيت)، وهو بفتح ياء المضارعة وكسر الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة: من الخبب، وهو ضرب من العدو. وقيل: خب الفرس إذا نقل أيامنه وإياسره جميعا. وقيل: هو أن يراوح بين يديه، وقيل: الخبب السرعة، وقد خبت الدابة تخب خببا وخبيبا وأخبت وقد أخبها ذكره ابن سيده. وفي (المنتهى) يقال: خب خبيبا وأخبه صاحبه إخبابا. وفي (الجمهرة) وأخببته أنا، وفي الكفاية لأبي إسحاق الأجداني: إذا ارتفع سير البعير حتى يكون عدوا يراوح بين يديه، فذلك الخبب. قوله: (ثلاثة)، وإن كان مبهما، لكن المقصود منه الثلاثة الأول. قوله: (من السبع) أي: الطوفات السبع، ويروى: السبعة، باعتبار الأطواف. وقالت النحاة: إذا كان المميز غير مذكور جاز في العدد التذكير والتأنيث.
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»