عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٥١
عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال للركن أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك فاستلمه ثم قال فما لنا وللرمل إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري وزيد بن أسلم أبو أسامة يروي عن أبيه أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، يكنى أبا خالد، كان من سبي اليمن، مات وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أحمد بن سنان عن يزيد بن هارون. وأخرجه مسلم فيه عن هارون بن سعيد. وأخرجه النسائي فيه عن عيسى بن إبراهيم الغافقي.
قوله: (قال للركن) أي: للحجر الأسود خاطبه بذلك ليسمع الحاضرون. قوله: (ثم قال) أي: بعد استلامه. قوله: (ما لنا وللرمل)، ويروى: والرمل، بغير لام، والنصب فيه على الأفصح. وفي رواية أبي داود من طريق هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم: (فيم الرمل والكشف عن المناكب؟) الحديث. قوله: (إنما كنا راءينا) من المراءاة، أي: أردنا أن نظهر القوة للمشركين بالرمل ليعلموا أنا لا نعجز عن مقاومتهم، ولا نضعف عن محاربتهم، وقد أهلكهم الله تعالى فما لنا حاجة اليوم إلى ذلك؟ وقال عياض: راءينا، بوزن: فاعلنا، من الرؤية أي: أريناهم بذلك أنا أقوياء. وقال ابن مالك: من الرياء، أي: أظهرنا القوة ونحن ضعفاء ولهذا روى: رايينا، بياءين حملا له على الرياء. قلت: الذي قاله ابن مالك هو على منهج الصواب دون ما قاله عياض يظهر بالتأمل. قوله: (وقد أهلكهم الله)، الواو فيه للحال. قوله: (شي صنعه النبي)، ارتفاع: شيء، على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذا شيء صنعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: لا يجوز أن يكون: شيء مبتدأ؟ وقوله: (فلا نخب) خبره؟ قلت: شرط المبتدأ الذي يتضمن من معنى الشرط أن لا يكون معينا نحو: كل رجل يأتيني فله درهم، وهذا شيء معين، اللهم، إلا أن يقال: المعنى: كل شيء صنعه النبي، صلى الله عليه وسلم، إنما صنعه لإظهار الجلد والقوة للمشركين، فلما أهلكهم الله لا حاجة به، ثم استدرك فقال: لما فعله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه اتباعا له. قال الخطابي: كان عمر، رضي الله تعالى عنه، طلوبا للآثار، بحوثا عنها وعن معانيها لما رأى الحجر يستلم ولا يعلم فيه سببا يظهر للحس، أو يتبين في العقل، ترك فيه الرأي وصار إلى الاتباع، ولما رأى الرمل قد ارتفع سببه الذي كان قد أحدث من أجله في الزمان الأول هم بتركه، ثم لاذ باتباع السنة متبركا به، وقد يحدث شيء من أمر الدين بسبب من الأسباب فيزول ذلك السبب ولا يزول حكمه، كالعرايا والاغتسال للجمعة. وقال الطبري: ثبت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رمل في حجته ولا مشرك يومئذ يراه، فعلم أنه من مناسك الحج، غير أنا لا نرى على من ترك عامدا ولا ساهيا قضاء ولا فدية، لأن من تركه فليس بتارك العمل، وإنما هو تارك لهيئته وصفته كالتلبية التي فيها رفع الصوت، فإن خفص صوته بها كان غير مضيع لها ولا تاركها، وإنما ضيع صفة من صفاتها ولا شيء عليه.
ذكر ما يستفاد منه فيه: دليل على أن أفعال النبي، صلى الله عليه وسلم، على الوجوب حتى يقوم دليل على خلافه. وفيه: أن في الشرع ما هو تعبد محض وما هو معقول المعنى. وفيه: دليل على غاية اتباع عمر، رضي الله تعالى عنه، للآثار، وفيه: دليل على أن الرمل لا يترك، ولكن إن تركه لا يوجب شيئا. وفي (التوضيح): قام الإجماع على أنه لا رمل على من أحرم بالحج من مكة من غير أهلها، واختلفوا في أهل مكة: هل عليهم رمل؟ فكان ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، لا يراه عليهم، وبه قال أحمد واستحبه مالك والشافعي للمكي.
6061 حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ما تركت استلام هاذين الركنين في شدة ولا رخاء منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما قلت لنافع أكان ابن عمر يمشي بين الركنين قال إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه.
(الحديث 6061 طرفه في: 1161).
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن نافعا لما سئل، أكان ابن عمر يمشي بين الركنين؟ قال: (إنما كان يمشي ليكون إيسر
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»