عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٩٤
مطابقته للترجمة في قوله: (ودعا بدعوى الجاهلية)، وهذا كما رأيت أخرج هذا الحديث في ثلاثة مواضع، وترجم في كل موضع بجزء من أجزاء الحديث المذكور الثلاثة مع مغايرة في السند، لأن شيخه في الأول: أبو نعيم، وفي الثاني: محمد بن بشار، وفي الثالث: عمر بن حفص، والكل عن عبد الله بن مسعود. فإن قلت: ليس في الحديث ذكر النهي من الويل؟ قلت: قال الكرماني: دعوى الجاهلية مستلزمة للويل، ولفظ: ليس منا، للنهي. وقال بعضهم: كأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه، ففي حديث أبي أمامة عند ابن ماجة، وصححه ابن حبان: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور). انتهى. قلت: الذي قاله الكرماني هو الأوجه لأن ذكر الترجمة لحديث ليس بمذكور في كتابه ولا يعرف أيضا هل هو اطلع عليه أم لا بعيد عن السداد.
04 ((باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن)) أي: هذا باب في بيان حال من جلس. كلمة: من، موصولة، أي: الذي جلس عند حلول المصيبة. قوله: (يعرف)، على صيغة المجهول أسند إلى قوله: (الحزن)، والجملة في محل النصب على الحال من الضمير الذي في: (جلس)، والضمير الذي في: (فيه) يرجع إلى قوله: (من) ولم يصرح البخاري بحكم هذه المسألة، ولكن يفهم من فعله صلى الله عليه وسلم لأن إظهار الحزن يدل على إباحته ولا يمنع من ذلك إلا إذا كان معه شيء من اللسان أو اليد.
9921 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب، قال سمعت يحيى. قال أخبرتني عمرة قالت سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس يعرف فيه الحزن وأنا أنظر من صائر الباب شق الباب فأتاه رجل فقال إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن ينهاهن فذهب ثم أتاه الثانية لم يطعنه فقال انههن فأتاه الثالثة قال والله غلبننا يا رسول الله فزعمت أنه قال فاحث في أفواههن التراب فقلت أرغم الله أنفك لم تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء.
مطابقته للترجمة في قوله: (جلس يعرف فيه الحزن)، والترجمة قطعة من الحديث، غير أنه زاد فيه: (عند المصيبة).
ورجاله قد ذكروا غير مرة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن محمد بن عبد الله بن حوشب وفي المغازي عن قتيبة. وأخرجه مسلم في الجنائز عن محمد بن المثنى وعن ابن أبي عمرو وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن أبي الطاهر عن ابن وهب وعن أحمد ابن إبراهيم الدورقي، وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن كثير. وأخرجه النسائي فيه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب.
ذكر معناه: قوله: (لما جاء النبي) انتصاب: النبي، بأنه مفعول. وقوله: (قتل ابن حارثة) بالرفع فاعله، وابن حارثة: هو زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزي بن امرئ القيس الكلبي القضاعي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن أمه ذهبت تزور أهلها فأغار عليهم خيل من بني القيس، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد فوهبته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجد أبوه فاختار المقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه فكان يقال: زيد بن محمد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حبا شديدا. وقال السهيلي: باعوا زيدا بسوق حباشة، وهو من أسواق العرب، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام وأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه مولاته أم أيمن واسمها بركة، فولدت له أسامة بن زيد، وعن عائشة كانت تقول: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده لاستخلفه. رواه أحمد والنسائي، وابن أبي شيبة: جيد قوي على شرط الصحيح وهو غريب جدا. قوله: (وجعفر)، هو ابن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أكبر من أخيه علي بعشر سنين، أسلم جعفر قديما وهاجر إلى الحبشة وقد أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد، فهو ممن
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»