عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٩٥
يقطع له بالجنة. قوله: (وابن رواحة)، هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امريء القيس بن عمر، وأبو محمد، ويقال أبو رواحة، أسلم قديما وشهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر، وقد شهد له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشهادة فهو ممن يقطع له بالجنة، وقصة قتلهم: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أرسلهم في نحو من ثلاثة آلاف إلى أرض البلقاء من أطراف الشام في جماد الأولى من سنة ثمان، واستعمل عليهم زيدا وقال: إن أصيب زيد فجعفر على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس، فخرجوا وخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يشيعهم فمضوا حتى نزلوا معان من أرض البلقاء، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء ويلي مائة ألف، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة، بضم الميم وبالهمز، وقيل: بلا همز، ثم تلاقوا فاقتتلوا، فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل، فأخذها جعفر فقاتل حتى قتل، وأخذها عبد الله بن رواحة. قال أنس، رضي الله تعالى عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي الثلاثة وعيناه تذرفان، ثم قال: أخذ الراية سيف من سيوف الله تعالى حتى فتح الله عليهم، وهو خالد بن الوليد، رضي الله تعالى عنه، وعن خالد: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياق فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية، وسيجئ ذلك كله في الكتاب، وجميع من قتل من المسلمين يومئذ اثني عشر رجلا، وهذا أمر عظيم جدا أن يقاتل جيشان متعاديان في الدين أحدهما الفئة التي تقاتل في سبيل الله تعالى عدتها ثلاثة آلاف، وأخرى كافرة عدتها مائتا ألف مائة ألف من الروم ومائة ألف من نصارى العرب. قوله: (جلس) جواب: لما، وزاد أبو داود في روايته: (جلس في المسجد). قوله: (يعرف فيه الحزن) جملة حالية. قال الطيبي: كأنه كظم الحزن كظما فظهر منه ما لا بد لجبلة البشرية منه. قوله: (وأنا أنظر)، جملة حالية أيضا، وقائلها عائشة، رضي الله تعالى عنها. قوله: (من صائر الباب)، بالصاد المهملة والهمزة بعد الألف وفي آخره راء، وقد فسره في الحديث بقوله: (شق الباب)، وهو بفتح الشين المعجمة أي: الموضع الذي ينظر منه، ولم يرد بكسر الشين أي: الناحية لأنها ليست بمرادة هنا، قاله ابن التين. وقال الكرماني: بفتح الشين وكسرها. وقال المازني: كذا وقع في (الصحيحين) هنا: صائر الباب، والصواب: صيراي، بكسر الصاد وسكون الياء آخر الحروف، وهو الشق. وقال ابن الجوزي والخطابي: صائر وصير بمعنى واحد. فإن قلت: هذا التفسير ممن؟ قلت: يحتمل أن يكون من عائشة، ويحتمل أن يكون ممن بعدها، ولكن الظاهر هو الأول. قوله: (فأتاه رجل) أي: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ولم يوقف على اسمه، ويحتمل أن عائشة لم تصرح باسمه لانحرافها عليه. قوله: (إن نساء جعفر) أي: امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية ومن حضر عندها من أقاربها وأقارب جعفر، وخبر: إن، محذوف تقديره: إن نساء جعفر يبكين، وقال الطيبي: وقد حذفت رضي الله تعالى عنها خبر: إن، من القول المحكي عن جعفر بدلالة الحال، يعني قال ذلك الرجل: إن نساء جعفر فعلن كذا وكذا، مما حظره الشرع من البكاء الشنيع والنياحة الفظيعة إلى غير ذلك. قوله: (وذكر بكاءهن)، حال من المستتر في: قال. قوله: (لم يطعنه) حكاية لمعنى قول الرجل أي: فذهب ونهاهن ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نهيتهن فلم يطعنني، يدل عليه قوله في المرة الثالثة: (والله غلبننا)، قوله: (ثم أتاه الثانية لم يطعنه) أي: أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، المرة الثانية فقال: إنهن لم يطعنه. ووقع في رواية أبي عوانة: فذكر أنهن لم يطعنه. قوله: (الثالثة) أي: المرة الثالثة. قوله: (والله غلبننا) بلفظ جمع المؤنث الغائبة، وفي رواية الكشميهني: (غلبتنا)، بلفظ المفرد المؤنث الغائبة. قوله: (فزعمت) أي: عائشة، وهو مقول عمرة، ومعنى: زعمت: قالت. وقال الطيبي: أي ظننت قلت: الزعم يطلق على القول المحقق وعلى الكذب والمشكوك فيه، وينزل في كل موضع على ما يليق به قوله: (فأحث)، بضم الثاء المثلثة، أمر من: حثا يحثو، وبكسرها أيضا من حثى يحثي. قوله: (التراب) مفعول: (أحث)، وفي رواية أخرى تأتي: (من التراب)، قال القرطبي: هذا يدل على أنهن رفعن أصواتهن بالبكاء، فلما لم ينتهين أمره أن يسد أفواههن بالتراب، وخص الأفواه بذلك لأنها محل النوح. انتهى. وقال عياض: هو بمعنى التعجيز، أي: أنهن لا يسكتن إلا بسد أفواههن، ولا تسدها إلا بأن تملأ بالتراب. وقال القرطبي: يحتمل أنهن لم يطعن الناهي لكونه لم يصرح لهن بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن، فحملن ذلك على أنه مرشد إلى المصلحة من قبل نفسه، أو علمن لكن غلب عليهن شدة الحزن لحرارة المصيبة. قلت: هذا الذي قاله حسن، وهو اللائق في حق الصحابيات، لأنه يبعد أن يتمادين بعد تكرار نهيهن على محرم، ويقال
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»