عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٧٣
ذكر معناه: قوله: (أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم) هي: زينب، كما وقع في رواية أبية معاوية عن عاصم المذكور في (مصنف ابن أبي شيبة) وكذا ذكره ابن بشكوال. قوله: (إن ابنا لها) أي: لبنت النبي صلى الله عليه وسلم. كتب الدمياطي بخطه في الحاشية: إن اسمه علي بن أبي العاص بن الربيع، وقال بعضهم: فيه نظر لأنه لم يقع مسمى في شيء من طرق هذا الحديث. قلت: في نظره نظر لأنه لا يلزم من عدم اطلاعه على أن ابنها هو علي في طرق هذا الحديث أن لا يطلع عليه غيره في طريق من الطرق التي لم يطلع هو عليها، ومن أين له إحاطة جميع طرق هذا الحديث أو غيره؟ والدمياطي حافظ متقن وليس ذكر هذا من عنده لأن مثل هذا توقيفي فلا دخل للعقل فيه، فلو لم يطلع عليه. لم يصرح به. وقال هذا القائل أيضا: إن الزبير بن بكار وغيره من أهل العلم بالأخبار ذكروا أن عليا المذكور عاش حتى ناهز الحلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه على راحلته يوم فتح مكة، ومثل هذا لا يقال في حقه: صبي، عرفا. قلت: بلى، يقال: صبي إلى أن يقرب من البلوغ عرفا، وأما الصبي في اللغة فقد قال ابن سيده في (المحكم): الصبي من لدن يولد إلى أن يعظم، والجمع أصبية وصبية وصبوان وصبوات وصبيان، قلبوا الواو فيها ياء للكسرة التي قبلها ولم يعتدوا بالساكن حاجزا حصينا لضعفه بالسكون. قوله: (قبض)، على صيغة المجهول أي: قرب من أن يقبض، ويدل على ذلك أن في رواية حماد: (أرسلت تدعوه إلى ابنها في الموت)، وفي رواية شعبة: (إن ابنتي قد حضرت). وروى أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن عاصم الأحول سمعت أبا عثمان (عن أسامة بن زيد أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه وإنا معه وسعد، أحسب وأبي أن ابني أو ابنتي قد حضر فاشهدنا...) الحديث. وقوله (أو ابنتي)، شك من الراوي، وقال بعضهم: الصواب قول من قال: ابنتي، لا، ابني، كما ثبت في (مسند أحمد): ولفظه: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بأمامة بنت زينب وهي لأبي العاص بن الربيع ونفسها تتقعقع كأنها في شن)، وفي رواية بعضهم: أميمة، بالتصغير، وهي أمامة المذكورة. قلت: أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن أمامة بنت أبي العاص من زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى تزوجها علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، بعد وفاة فاطمة، رضي الله تعالى عنها، ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها، ثم إن هذا القائل أيد ما ادعاه من أن الصواب قول من قال: ابنتي، لا: ابني، بما رواه الطبراني من طريق الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده، قال: (استعز بأمامة بنت أبي العاص فبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه تقول له...) فذكر نحو حديث أسامة. وقوله: (استعز)، بضم التاء المثناة من فوق وكسر العين المهملة وتشديد الزاي، أي: اشتد بها المرض وأشرفت على الموت. قلت: اتفق أهل العلم بالنسب أن زينب لم تلد لأبي العاص إلا عليا وأمامة فقط، واتفقوا أيضا أن أمامة تأخرت وفاتها إلى التاريخ الذي ذكرناه آنفا، فدل أن الصواب قول من قال: ابني، لا: ابنتي، كما نص عليه في رواية البخاري من طريق عبد الله بن المبارك عن سليمان الأحول عن أبي عثمان النهدي. قوله: (يقرئ السلام) بضم الياء، وروي بفتحها. وقال ابن التين: ولا وجه له إلا أن يريد: يقرأ عليك، وذكر الزمخشري عن الفراء، يقال: قرأت عليه السلام، وأقرأته السلام. وقال الأصمعي: لا يقال: أقرأته السلام، وقال الزمخشري: والعامة تقول: قريت السلام، بغير همز وهو خطأ. قوله: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى)، أي: له الخلق كله وبيده الأمر كله وكل شيء عنده بأجل مسمى، لأنه لما خلق الدواة واللوح والقلم أمر القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لا معقب لحكمه، قيل: قدم ذكر الأخذ على الإعطاء، وإن كان متأخرا في الواقع لما يقتضيه المقام، والمعنى أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، فلا ينبغي الجزع، لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه. وكلمة: ما، في الموضعين موصولة، ومفعول: أخذ وأعطى، محذوف لأن الموصول لا بد له من صلة وعائد، ونكتة حذف المفعول فيهما الدلالة على العموم، فيدخل فيه أخذ الولد وإعطاؤه وغيرهما، ويجوز أن تكون كلمة: ما، في الموضعين مصدرية، والتقدير: إن لله الأخذ والإعطاء وهو أيضا أعم من إعطاء الولد وأخذه. قوله: (وكل عنده بأجل مسمى) أي: كل واحد من الأخذ والإعطاء عند الله مقدر بأجل مسمى، أي: معلوم، والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر، ومعنى: عنده، في علمه وإحاطته. قوله فلتبصر أمر للغائب المؤنث ولتحتسب أي تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح قوله: (فأرسلت إليه تقسم) أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، و: تقسم، جملة فعلية وقعت حالا، ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»