عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٧٤
وأنه إنما قام في ثالث مرة، أما ترك إجابته صلى الله عليه وسلم أولا فيحتمل أنه كان في شغل في ذلك الوقت، أو كان امتناعه مبالغة في إظهار التسليم لربه، أو كان لبيان الجواز في أن من دعي لمثل ذلك لم تجب عليه الإجابة، بخلاف الوليمة مثلا، وأما إجابته صلى الله عليه وسلم بعد إلحاحها عليه فكانت دفعا لما يظنه بعض الجهلة أنها ناقصة المكان عنده، أو أنه لما رآها عزمت عليه بالقسم حن عليها بإجابته. قوله: (فقام) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، والواو في: ومعه، للحال، وهو خبر لقوله: (سعد بن عبادة)، بضم العين المهملة: الخزرجي، كان سيدا جوادا ذا رياسة غيورا، مات بالشام، ويقال: إنه قتله الجن. وقالوا.
* قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * رميناه بسهم فلم يخط فؤاده * (ومعاذ بن جبل) مر في أول كتاب الإيمان، (وأبي بن كعب) مر في: باب ما ذكر من ذهاب موسى، في كتاب العلم، (وزيد بن ثابت) مر في: باب ما يذكر في الفخذ، في كتاب الصلاة، وفي رواية حماد: (فقام وقام معه رجال). وقد سمى منهم غير من سمي في هذه الرواية: عبادة بن الصامت، وهو في رواية: عبد الواحد في أوائل التوحيد، وفي رواية شعبة أن أسامة راوي الحديث كان معهم، وكذا في رواية عبد الرحمن بن عوف أنه كان معهم، ووقع في رواية شعبة في الأيمان والنذور (وأبي أو أبي) بالشك، فالأول: بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وتخفيف الياء، فعلى هذا كان زيد بن حارثة معهم، والثاني: بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء، وهو أبي بن كعب، ورواية البخاري ترجح الثاني لأنه ذكر فيه بلفظ: وأبي بن كعب، وكان الشك من شعبة، لأن ذلك لم يقع في رواية غيره، والله أعلم. قوله: (فرفع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الصبي)، بالراء: من الرفع، وفي رواية حماد: (فدفع)، بالدال، وبين في رواية شعبة أنه وضع في حجره، صلى الله عليه وسلم، وههنا حذف كثير، والتقدير: فذهبوا إلى أن انتهوا إلى بيتها فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصبي، وفي رواية عبد الواحد: (فلما دخلنا ناولوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الصبي) قوله: (ونفسه تتقعقع)، جملة اسمية وقعت حالا، أي: تضطرب وتتحرك، وفي بعض النسخ: (تقعقع)، فالأول من التقعقع من: باب التفعلل، والثاني: من القعقعة، وهي حكاية حركة يسمع منها صوت، قال الأزهري: يقال للجلد اليابس إذا تخشخش فحكى صوت حركاته: قعقع قعقعة، وقال ابن الأعرابي: القعقعة والعقعقة، والشخشخة والخشخشة، والخفخفة والفخفخة، والشنشنة والنشنشة: كلها حركة القرطاس والثوب الجديد. وفي (الصحاح): القعقعة حكاية صوت السلاح، وفي (نوادر أبي مسحل) أخذته الحمى بقعقعة أي: برعدة. وفي (الجامع) للقزاز: القعقعة صوت الحجارة والخطاف والبكرة والمحور. وفي (المحكم): قعقعته، حركته. وقال شمر: قال خالد بن جنبه: معنى قوله: (نفسه تتقعقع) أي: كلما صارت إلى حال لم تلبث أن تصير إلى حال أخرى تقرب من الموت لا تثبت على حالة واحدة. قوله: (كأنها شن)، وفي رواية: (كأنها في شن)، والشن، بفتح الشين المعجمة وتشديد النون: السقاء البالي، والجمع: شنان. وقال ابن التين: وضبطه بعضهم بكسر الشين وليس بشيء، وجه الرواية الأولى: أنه شبه النفس بنفس الجلد، وهو أبلغ في الإشارة إلى شدة الضعف، ووجه الثانية: أنه شبه البدن بالجلد اليابس الخلق، وحركة الروح فيه كما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها. قوله: (ففاضت عيناه) أي: عينا النبي صلى الله عليه وسلم، يعني نزل منهما الدمع. قوله: (فقال سعد) أي: سعد بن عبادة المذكور، وصرح به في رواية عبد الواحد، ووقع في رواية ابن ماجة من طريق عبد الواحد: (فقال عبادة بن الصامت)، والصواب ما في الصحيح. قوله: (ما هذا؟) أي: فيضان العين، كأنه استغرب ذلك منه لأنه يخالف ما عهده منه من مقاومة المصيبة بالصبر. قوله: (قال: هذه) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه، أي الدمعة رحمة، أي أثر رحمة جعلها الله في قلوب عباده، أي: رحمة على المقبوض تبعث على التأمل فيما هو عليه، وليس كما توهمت من الجزع وقلة الصبر. وفي بعض النسخ: (قال: إنه رحمة) أي: إن فيضان الدمع أثر رحمة. وفي لفظ (في قلوب من شاء من عباده) وقد صح أن الله خلق مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين وجعل في عباده رحمة فبها يتراحمون ويتعاطفون وتحن الأم على ولدها، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى التسعة والتسعين فأظل بها الخلق حتى إن إبليس رأس الكفر يطمع، لما يرى من رحمة الله عز وجل، قوله: (فإنما يرحم الله من عباده الرحماء) وفي رواية شعبة في أواخر الطب: (ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء). والرحماء جمع: رحيم، وكلمة: من، بيانية والرحماء بالنصب لأنه مفعول: (يرحم الله)، و: (من عباده) في محل النصب على الحال من: الرحماء.
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»