عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٦٢
سألته وعلمت أنه لا يرد. قال إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني. قال سهل فكانت كفنه.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الرجل الذي سأل تلك البردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنكرت الصحابة عليه سؤاله قال: سألته لتكون تلك البردة كفني، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إياها، واستعدها ليكفن فيها، فكفن فيها. وأخبر بذلك سهل حيث قال: فكانت كفنه.
ذكر رجاله: وهم أربعة: الأول: عبد الله بن مسلمة القعنبي. الثاني: عبد العزيز بن أبي حازم. الثالث: أبوه أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج القاضي من عباد أهل المدينة وزهادهم. الرابع: سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: أن رواته مدنيون، غير أن عبد الله بن مسلمة سكن البصرة وهو من رباعيات البخاري، وأخرجه ابن ماجة أيضا في اللباس عن هشام بن عمار به.
ذكر معناه: قوله: (أن امرأة)، لم يعرف اسمها. قوله: (ببردة)، هي: كساء كانت العرب تلتحف به فيه خطوط، ويجمع على: برد، كغرفة وغرف. وقال ابن قرقول: هي النمرة. قوله: (حاشيتها)، مرفوع بقوله: (منسوجة) واسم المفعول يعمل عمل فعله كاسم الفاعل، قاله الداودي: يعني أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية، وقيل: حاشية الثوب هدبه، فكأنه أراد أنها جديدة لم تقطع هدبها، ولم تلبس بعد. وقال القزاز: حاشيتا الثوب ناحيتاه اللتان في طرفيهما الهدب قال. قال الجوهري: الحاشية واحدة حواشي الثوب، وهي جوانبه. قوله: (تدرون)، ويروى: (أتدرون؟)، بهمزة الاستفهام. ويروى: (هل تدرون؟)، وعلى كل حال هذه الجملة قول سهيل بن سعد، بينه أبو غسان عن أبي حازم، كما أخرجه البخاري في الأدب. ولفظه: (فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة). انتهى. والشملة، كساء يشتمل به، وهي أعم لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها أطلقوا عليها اسمها. قوله: (تدرون) إلى قوله: (قالت: نسجتها) جمل معترضة في كلام المرأة المذكورة. قوله: (فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها) أي: حال كونه محتاجا إلى تلك البردة. ويروى: (محتاج إليها)، بالرفع على أنه خبر مبتدأ، محذوف أي: أخذها وهو محتاج إليها وإن شئت تقول: وهو محتاج إليها، وقد علم أن الجملة الإسمية إذا وقعت حالا يجوز فيها الأمران: الواو وتركها. فإن قلت: من أين عرفوا احتياج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك؟ قلت: يمكن أن يكون ذلك بصريح القول من النبي صلى الله عليه وسلم أو بقرينة حالية دلت على ذلك قوله: (فخرج إلينا وإنها إزاره) أي: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وإن البردة المذكورة إزاره: يعني متزرا بها، يدل على ذلك رواية الطبراني عن هشام بن سعد عن أبي حازم: (فاتزر بها ثم خرج). وفي رواية ابن ماجة: عن هشام بن عمار عن عبد العزيز: (فخرج إلينا فيها). قوله: (فحسنها فلان) أي: نسبها إلى الحسن، وهو ماض من التحسين في الروايات كلها. وفي رواية للبخاري في اللباس من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم: (فجسها) بالجيم وتشديد السين بغير نون، وكذا وقع في رواية الطبراني من طريق أخرى عن ابن أبي حازم، وقال المحب الطبري: فلان، هو عبد الرحمن بن عوف، وفي الطبراني: عن قتيبة هو سعد بن أبي وقاص. وقد أخرج البخاري في اللباس والنسائي في الزينة عن قتيبة، ولم يذكرا ذلك عنه. وفي رواية ابن ماجة: (فجاء فلان ابن فلان، رجل سماه يومئذ) وهذا يدل على أن الراوي سماه ونسبه، وفي رواية أخرى للطبراني أن السائل المذكور أعرابي، ولكن في سنده: زمعة بن صالح، وهو ضعيف. قوله: (ما أحسنها!) كلمة ما هنا للتعجب، وهو بنصب النون، وفي رواية ابن ماجة: (فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه البردة أكسنيها. قال: نعم، فلما دخل طواها وأرسل بها إليه). قوله: (ما أحسنت) كلمة: ما، هنا نافية. قوله: (لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها) أي: لبس البردة المذكورة النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه محتاجا إليها، وفي رواية ابن ماجة: (والله ما أحسنت كساها النبي صلى الله عليه وسلم محتاج إليها). أي: وهو محتاج إليها. قوله: (أنه لا يرد) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلا، وكذا وقع في رواية ابن ماجة بتصريح المفعول، ونحوه وقع في رواية يعقوب في البيوع، وفي رواية أبي غسان في الأدب: (لا يسأل شيء
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»