الكسائي: وقصا، ولا يكون: وقصت العنق نفسها. وقال الخطابي: معناه أنها صرعته فكسرت عنقه، وقال: أقصعته بتقديم الصاد المهملة على العين المهملة، ليس بشيء، والقصع هو كسر العطش، ويحتمل أن يستعار لكسر الرقبة وأما الإقعاص، أي: بتقديم العين فهو إعجال الهلاك أي: لم يلبث أن مات. وقال الجوهري: يقال ضربه فأقعصه، أي: قتله مكانه ويقال: قصع القملة أي قتلها، وقصع الماء عطشه أي: أذهبه وسكنه، واعلم أن الضمير المرفوع في (فوقصته)، للراحلة، والمنصوب يرجع إلى الرجل. وقال بعضهم: ويحتمل أن يكون فاعل: وقصته، الوقعة أو الراحلة، بأن تكون أصابته بعد أن وقع قلت: الفاعل هو الراحلة، وهو الذي يقتضيه ظاهر التركيب، وكون الفاعل هو الوقعة بعيد) وخلاف الظاهر، وقال أيضا: وقال الكرماني: فوقصته أي راحلته. قلت: لم يقل الكرماني هذا، وإنما نقل عن الخطابي ما ذكرناه عنه آنفا، والعنق، بضمتين وبسكون النون، وصله ما بين الرأس والجسد، ويذكر ويؤنث، فمن قال: عنق بإسكان النون ذكر، ومن قال بضم النون أنث، وعند ابن خالويه: التصغير في لغة من ذكر: عنيق، وفي لغة من أنث، عنيقة. والجمع أعناق. قوله: (وكفنوه في ثوبين) إنما لم يزده ثالثا إكراما له، كما في الشهيد لم يزد على ثيابه. قوله: (ولا تحنطوه) بالحاء المهملة أي: لا تمسوه حنوطا. قوله: (ولا تخمروا رأسه) أي: ولا تغطوها. وفي (أفراد مسلم): (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه). وقال البيهقي: وذكر الوجه وهم من بعض رواته في الإسناد والمتن، والصحيح: (لا تغطوا رأسه). قوله: (فإنه) أي: فإن هذا الرجل. قوله: (ملبيا)، نصب على الحال، أي: حال كونه قائلا لبيك، والمعنى أنه يحشر يوم القيامة على هيئته التي مات عليها ليكون ذلك علامة لحجه، كالشهيد يأتي وأوداجه تشخب دما. وفي (التوضيح): وفي رواية (ملبدا) أي: على هيئة ملبدا شعره بصمغ ونحوه.
ذكر ما يستفاد منه: احتج به الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر في أن المحرم على إحرامه بعد الموت، ولهذا يحرم ستر رأسه وتطييبه، وهو قول عثمان وعلي وابن عباس وعطاء والثوري. وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي إلى أنه يصنع به ما يصنع بالحلال، وهو مروي عن عائشة وابن عمر وطاوس لأنها عبادة شرعت فبطلت بالموت: كالصلاة والصيام. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..) وإحرامه من عمله، ولأن الإحرام لو بقي لطيف به وكملت مناسكه، وقال بعضهم: وأجيب: بأن ذلك ورد على خلاف الأصل، فيقتصر به على مورد النص، ولا سيما قد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهداء قلت: لا نسلم أنه ورد على خلاف الأصل، وكيف ورد على خلاف الأصل وقد أمر بغسله بالماء والسدر، وهو الأصل في الموتى؟ وأما قوله: لا تحنطوه.. إلى آخره فهو مخصوص به، والدليل عليه قوله: الحكمة في ذلك.. إلى آخره. وفيه: الرد على كلامه، بيان ذلك أن استبقاء دم الشهيد مخصوص به، فكذلك استبقاء شعار الإحرام مخصوص بالموقوص. وأجابوا عن الحديث بأنه ليس عاما بلفظه، لأنه في شخص معين، ولأنه لم يقل يبعث يوم القيامة ملبيا لأنه محرم، فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل. وقال: اغسلوه بسدر، والمحرم لا يجوز غسله بسدر، وذكر الطرطوشي في (كتاب الحج) أن أبا الشعثاء جابر بن زيد روى عن ابن عباس، قال: لا تخمروا رأسه وخمروا وجهه. وقد روى عبد الرزاق ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خمروا وجوههم ولا تتشبهوا باليهود ورواه الدارقطني بإسناد عن عطاء عن ابن عباس يرفعه وحكم ابن القطان بصحته ولفظه (خمروا وجوه موتاكم). وفي (الموطأ) أن عبد الله بن عمر لما مات ابنه واقد وهو محرم كفنه وخمر وجهه ورأسه، وقال: لولا أنا محرمون لحنطناك يا واقد. وفي (المصنف) بأسانيد جياد: عن عطاء، قال: وسئل عن المحرم يغطى رأسه إذا مات؟ قيل: غطى ابن عمر وكشف غيره. وقال طاووس: يغيب رأس المحرم إذا مات. وقال الحسن: إذا مات المحرم فهو حلال، ومن حديث مجالد عن عامر: (إذا مات المحرم ذهب إحرامه). ومن حديث إبراهيم عن عائشة: إذا مات المحرم ذهب إحرام صاحبكم، وقاله عكرمة بسند جيد، وحكى ابن حزم أنه صح عن عائشة تحنيط الميت المحرم إذا مات، وتطييبه وتخمير رأسه، وعن جابر عن أبي جعفر، قال: المحرم يغطي رأسه ولا يكشف. وفيه: جواز الكفن في ثوبين، وهو كفن الكفاية، وكفن الضرورة واحد. وفيه: في قوله: (في ثوبين) استدلال بعضهم على إبدال ثياب المحرم. وقال بعضهم: وليس بشيء لأنه سيأتي في الحج بلفظ: في ثوبه)، وللنسائي من طريق يونس بن نافع عن عمرو بن دينار: (في ثوبيه الذين أحرم فيهما). قلت: ظاهر متن الحديث هنا يدل على صحة استدلال بعضهم على إبدال ثياب المحرم، وهذا يدل على أنه خرج من