الجملة استئنافية. قوله: (ما نكفنه) وفي رواية أبي ذر: (ما نكفنه به). قوله: (من الإذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة وفي آخره راء، قيل: هو نبت بمكة. قلت: ليس بمخصوص بمكة ويكون بأرض الحجاز طيب الرائحة ينبت في السهول والحزون، وإذا جف ابيض، وذكر أبو حنيفة في (كتاب النبات): أن له أصلا مندفنا وله قضبان دقاق ذفر الريح وهو مثل الأسل، أسل الكولان، يعني الذي يعمل منه الحصر إلا أنه أعرض وأصغر كعوبا، وله ثمرة كأنها مكاسع القصب إلا أنه أرق وأصغر وله كعوب كثيرة.
ذكر ما يستفاد منه: قال ابن بطال: وفيه: أن الثوب إذا ضاق فتغطية رأس الميت أولى من رجليه لأنه أفضل. وفيه: بيان ما كان عليه صدر هذه الأمة. وفيه: أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ودرجات الأخيار. وفيه: أن الثوب إذا ضاق عن تغطية رأسه وعورته غطيت بذلك عورته وجعل على سائره من الإذخر، لأن ستر العورة واجب في حال الحياة والموت، والنظر إليها ومباشرتها باليد محرم إلا من حل له من الزوجين، كذا قاله المهلب قلت: هذا عند من يقول: إن الكفن يكون ساترا لجميع البدن، وإن الميت يصير كله عورة، ومذهبنا أن الآدم كله محترم حيا وميتا، فلا يحل للرجال غسل النساء ولا للنساء غسل الرجال الأجانب بعد الوفاة، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن الميت يؤزر بإزار سابغ، كما يفعله في حال حياته إذا أراد الاغتسال، وفي ظاهر الرواية: يشق عليهم غسل ما تحت الإزار فيكتفي بستر العورة الغليظة بخرقة. وفي (البدائع) تغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يديه خرقة وينجي عند أبي حنيفة، كما كان يفعله في حياته، وعندهما: لا ينجى. وفي (المحيط) و (الروضة): لا ينجى عند أبي يوسف، وفهم من هذا كله أن الميت لا يصير كله عورة، وإنما يعتبر حاله بحال حياته، وفي حال حياته عورته من السرة إلى الركبة، والركبة عورة عندنا، وهذا هو الأصل في الميت أيضا، ولكن يكتفي بستر العورة الغليظة وهي القبل والدبر تخفيفا، وهو الصحيح من المذهب، وبه قال مالك ذكره في (المدونة).
82 ((باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه)) أي: هذا باب في بيان من استعد الكفن أي: أعده وليست السين للطلب. قوله: (فلم ينكر عليه)، على صيغة المجهول ويروى على صيغة المعلوم، ويكون الفاعل هو النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: يروى: (فلم ينكره بها)، أي: فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي طلب البردة التي أهديت إليه، وكان طلبه إياها منه صلى الله عليه وسلم لأجل أن يكفن فيها. وكانت الصحابة أنكروا عليه، فلما قال: إنما طلبتها لأكفن فيها أعذروه فلم ينكروا ذلك عليه. وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى تلك القضية. واستفيد من ذلك جواز تحصيل ما لا بد للميت منه من كفن ونحوه في حال حياته، لأن أفضل ما ينظر فيه الرجل في الوقت المهمل وفسحة الأجل الاعتداد للمعاد. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل المؤمنين إيمانا أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا). وقال الضميري لا يستحب الإنسان أن يعد لنفسه كفنا لئلا يحاسب عليه، وهو صحيح إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من أثر أهل الخير والصلحاء، فإنه حسن، وهل يلحق بذلك حفر القبر في حياته؟ فقال ابن بطال: قد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت بأيديهم ليتمثلوا حلول الموت فيه، ورد عليه بعضهم بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة، ولو كان مستحبا لكثر فيهم. قلت: لا يلزم من عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه، لأن ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن، ولا سيما إذا فعله قوم من الصلحاء الأخيار.
7721 حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهله رضي الله تعالى عنه أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها أتدرون ما البردة قالوا الشملة قال نعم قالت نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فحسنها فلان فقال اكسنيها ما أحسنها قال القوم ما أحسنت لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ثم