عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٦٧
لأنه قتل بأحد قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، ولا جائز أن يكون عبيد الله فإنه مات بالحبشة نصرانيا، أما في سنة خمس أو في سنة ست فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بعده فإنه مات عنها بأرض الحبشة، وكان تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بها إما في سنة ست أو سبع على الخلاف المعروف فيه، وزينب بنت أبي سلمة كانت حينئذ صغيرة، وإن أمكن أن تعقل ذلك وهي صغيرة على بعد فيه، ولا جائز أيضا أن يكون أبا أحمد، فإنها توفيت قبله وتأخر بعدها، كما جزم به ابن عبد البر وغيره، وأقرب الاحتمالات أن يكون: عبيد الله، الذي مات نصرانيا على بعد فيه. فإن قلت: مثلها لا يحزن على من مات كافرا في بيت النبوة قلت: ذاك الحزن بالجبلة والطبع فتعذر فيه ولا تلام به، وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى قبر أمه توجعا لها. وقيل: يحتمل أن يكون أخا لزينب بنت جحش من أمها أو من الرضاع. قوله: (فمست به) أي: شيئا من جسدها، وفي رواية للبخاري في العدد: (فمست منه).
ذكر ما يستفاد منه: استدل به بعض الحنفية على وجوب إحداد المرأة على الزوج، وقال الرافعي: في الاستدلال به نظر لأن الاستثناء من النفي إثبات للمنفي، وإنما هو عدم الحل على غير الزوج بعد الثلاث، فيكون الاستثناء إثباتا لحل الإحداد لا لوجوبه قلت: أجيب بأن ظاهر اللفظ، وإن كان هكذا، ولكن حمل على الوجوب لإجماع العلماء عليه. فإن قلت: الحسن البصري لا يرى وجوب الإحداد؟ قلت: لا يصح هذا عن الحسن، قاله ابن العربي. فإن قلت: روى أحمد في (مسنده) من حديث أسماء بنت عميس، قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: لا تحدي بعد يومك هذا. وفيه: لا يجب الإحداد بعد اليوم الثالث بل فيه أنه لا يجوز لظاهر النهي (قلت) هذا الحديث مخالف الأحاديث الصحيحة في الأحداد فهو شاذ لا عمل عليه للإجماع إلى خلافه، وأيضا أن جعفر بن أبي طالب كان قتل شهيدا، والشهداء أحياء عند ربهم، فلذلك نهى زوجته عن الإحداد عليه بعد الثلاث، وهذا الجواب فيه نظر لا يخفى، وهو أن الشهيد حي في حق الآخرة لا في حق الدنيا، إذ لو كان حيا في حق الدنيا لما كان يجوز تزوج نسائه، ولا كان تقسم تركته. فإن قلت: جعفر مقطوع له بالشهادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنه رآه يطير في الجنة بجناحين، فقطعنا بأنه حي بخلاف عموم من قتل في حرب الكفار، لقوله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا: فلان مات شهيدا، قلت: قد أخبر عن جماعة بأنهم شهداء ولم ينه نساءه عن الإحداد عليهم: كعبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله، وقال في حمزه: إنه سيد الشهداء، ومع هذا فلم ينقل أنه نهى نساءهم عن الإحداد عليهم. وفيه: دلالة لأبي حنيفة وأبي ثور أنه لا يجب الإحداد على الزوجة الذمية، لأنه قيد ذلك بقوله: (لامرأة تؤمن بالله). وفيه: دلالة على أن الإحداد لا يجب على الصبية لأنه لا تسمى امرأة إلا بعد البلوغ.
13 ((باب زيارة القبور)) أي: هذا باب في بيان حكم زيارة القبور، ولم يصرح بالحكم لما فيه من الخلاف بين العلماء، ويأتي بيانه عن قريب، إن شاء الله تعالى.
3821 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال مر النبي بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى.
.
مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم لم ينه المرأة المذكورة عن زيارتها قبر ميتها، وإنما أمرها بالصبر، فدل على الجواز من هذه الحيثية، فلعدم التصريح به لم يصرح البخاري أيضا بالحكم. وقد مر هذا الحديث بعين هذا الإسناد في: باب قول الرجل للمرأة عند القبر: (اصبري)، غير أن هنا زيادة من قوله: (قالت إليك عني..) إلى آخره.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: القول في ثلاثة مواضع.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»