عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٦٩
وإنما لا يقبل الله المال الحرام لأنه غير مملوك للمتصدق، وهو ممنوع من التصرف فيه، والتصدق به تصرف فيه، فلو قبلت لزم أن يكون مأمورا به ومنهيا عنه من وجه واحد، وذلك محال. فإن قلت: قوله: * (ويربي الصدقات) * (البقرة: 672). لفظ عام لما يكون من الكسب الطيب ومن غيره، فكيف يدل على الترجمة؟ قلت: هو مقيد بالصدقات التي من المال الحلال بقرينة السياق نحو: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * (البقرة: 762). قلت: قوله تعالى: * (يمحق الله الربا) * (البقرة: 672). أقرب للاستدلال على ما ذكره من قوله: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * (البقرة: 762). لأن الله تعالى أخبر في هذه الآية الكريمة أنه يمحق الربا، أي: يذهبه إما بأن يذهب بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة. وروى الإمام أحمد في (مسنده) فقال: حدثنا حجاج حدثنا شريك عن الركين بن الربيع عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل، وهذا من باب المعاملة بنقيض المقصود، ثم إن الله تعالى لما أخبر بأنه يمحق الربا لأنه حرام، أخبر أنه يربي الصدقات التي من الكسب الحلال. وفي (الصحيح) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تصدق بعدل تمرة..) الحديث، على ما يأتي عن قريب، إن شاء الله تعالى. ولما قرن بين قوله: * (يمحق الله الربا) * (البقرة: 672). وبين قوله: * (ويربى الصدقات) * (البقرة: 672). بواو العطف علم أن إرباء الصدقات إنما يكون إذا كانت من الكسب الحلال بقرينة محقه الربا لكونه حراما. قوله: * (والله لا يحب كل كفار أثيم) * (البقرة: 672). أي: لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل، ثم قال تعالى، وتقدس، مادحا للمؤمنين بربهم المطيعين أمره المؤدين شكره المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، مخبرا عما أعدلهم من الكرامة وأنهم يوم القيامة آمنون من التبعات فقال: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (البقرة: 77). أي: لا خوف عليهم عند الموت، ولا هم يحزنون يوم القيامة.
0141 حدثنا عبد الله بن منير سمع أبا النضر قال حدثنا عبد الرحمان هو ابن عبد الله ابن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل.
(الحديث 0141 طرفه في: 0347).
مطابقته للترجمة في قوله: (من كسب طيب).
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: عبد الله بن منير، بضم الميم وكسر النون، مر في: باب الغسل والوضوء في المخضب. الثاني: أبو النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: اسمه سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القريشي التيمي. الثالث: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مولى عبد الله بن عمر مر في: باب المسح على الخفين. الرابع: أبوه عبد الله بن دينار. الخامس: أبو صالح ذكوان الزيات السمان. السادس: أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: السماع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: أن رواته كلهم مدنيون. وفيه: رواية الابن عن الأب. وفيه: اثنان مذكوران بالكنية. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.
ذكر من أخرجه غيره: أخرجه مسلم في الزكاة أيضا عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن خالد بن مخلد به.
ذكر معناه: قوله: (بعدل تمرة)، بكسر العين: هو ما عادل الشيء من غير جنسه، وبالفتح ما عادله من جنسه. تقول: عندي عدل دراهمك من الثياب وعدل دراهمك من الدراهم. وقال البصريون: العدل والعدل لغتان. وقال الخطابي: بعدل تمرة أي: قيمة تمرة. يقال: هذا عدله، بفتح العين، أي مثله في القيمة، وبكسرها أي مثله في المنظر. وزعم ابن قتيبة: أن العدل، بالفتح: المثل واحتج بقوله تعالى: * (أو عدل ذلك صياما) * (المائدة: 59). والعدل، بالكسر: القيمة، وزعم ابن التين أنه على هذا جماعة من أهل اللغة، وفي
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»