عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢٧٤
فإذا كان يوم القيامة كشف تلك الحجب عن أبصارنا وقواها حتى نراه معاينة كما نرى القمر ليلة البدر كما ثبت في الأحاديث الصحاح قوله ' فليتقين ' أمر مؤكد بالنون الثقيلة دخلت عليه اللام قوله ' ولو بشق تمرة ' بكسر الشين معناه لا تحقروا شيئا من المعروف ولو كان بشق تمرة أي بنصفها قوله ' فإن لم يجد ' أي فإن لم يجد أحدكم شيئا يتصدق به على المحتاج فليرده بكلمة طيبة وهي التي فيها تطييب قلبه فدل على أن الكلمة الطيبة يتقى بها كما أن الكلمة الخبيثة مستوجب بها النار. وفيه حث على الصدقة وأن لا يحقر شيئا من الخير قولا وفعلا وإن قل * - 4141 حدثني محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن بردة عن أبي موسى ا رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدا يأخذها منه ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدا يأخذها منه).
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: محمد بن العلاء أبو كريب، مات سنة ثمان وأربعين ومائتين. الثاني: أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي. الثالث: بريد، بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف: ابن عبد الله بن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري. الرابع: أبو بردة، بضم الباء الموحدة: اسمه عامر، وقيل: الحارث بن أبي موسى الأشعري. الخامس: أبو موسى الأشعري، واسمه: عبد الله بن قيس، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الإفراد عن شيخه، وقيل بصيغة الجمع وبصيغته أيضا في موضع واحد. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: أن رواته كلهم كوفيون. وفيه: رواية الراوي عن جده ورواية الابن عن أبيه. وفيه: ثلاثة مكيون.
والحديث أخرجه مسلم أيضا بإسناد البخاري.
قوله: (من الذهب)، خص بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة لأن الذهب أعز المعدنيات وأشرف الأموال، فإذا لم يوجد من يأخذ هذا ففي غيره بالطريق الأولى. قوله: (ويرى الرجل) على صيغة المجهول. قوله: (يتبعه)، جملة في محل النصب على الحال. قوله: (يلذن)، بضم اللام وسكون الذال المعجمة أي: يلتجئن إليه ويرغبن فيه، من لاذ به يلوذ لياذا إذا التجأ إليه وانضم واستغاث، هذا والله أعلم يكون عند ظهور الفتن وكثرة القتل في الناس، قال الداودي: ليس فيهن قيم غيره، وهذا يحتمل أن يكون نساءه وجواريه وذوات محارمه وقراباته، وهذا كله من أشراط الساعة.
وفيه: الإعلام بما يكون بعده من كثرة الأموال حتى لا يجد من يقبلها وأن ذلك بعد قتل عيسى، عليه الصلاة والسلام، الدجال والكفار، فلم يبق بأرض الإسلام كافر، وتنزل إذ ذاك بركات السماء إلى الأرض والناس إذ ذاك قليلون لا يدخرون شيئا لعلمهم بقرب الساعة، وتربي الأرض إذ ذاك بركاتها حتى تشبع الرمانة أهل البيت، وتلقى الأرض أفلاذ كبدها وهو ما دفنته ملوك العجم كسرى وغيره ويكثر المال حتى لا يتنافس فيه الناس. قال الكرماني: فإن قلت: تقدم في: باب رفع العلم أنه يكون لخمسين امرأة القيم الواحد؟ قلت: التخصيص بعدد الأربعين لا يدل على نفي الزائد. قلت: المذكور في: باب رفع العلم وظهور الجهل، حديث أنس، رضي الله تعالى عنه أن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل، ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد.
01 ((باب اتقوا النار ولو بشق تمرة)) أي: هذا باب ترجمته: اتقوا النار ولو بشق تمرة، وهذا لفظ الحديث على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وجمع في هذا الباب بين لفظ الخبر والآية لاشتمالها على الحث والتحريض على الصدقة، قليلا كانت أو كثيرا.
والقليل من الصدقة
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»