عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٨٦
(موعظة المحدث)، أي: وفي بيان قعود أصحاب المحدث حول المحدث، وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى أن الجلوس مع الجماعة عند القبر، إن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لا يكره ذلك، فأما مصلحة الحي فمثل أن يجتمع قوم عند قبر وفيهم من يعظهم ويذكرهم الموت وأحوال الآخرة، وأما مصلحة الميت فمثل ما إذا اجتمعوا عنده لقراءة القرآن والذكر، فإن الميت ينتفع به وروى أبو داود من حديث معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا ي 1764; س على موتاكم). وأخرجه النسائي وابن ماجة أيضا، فالحديث يدل على أن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده، وهو حجة على من قال: إن الميت لا ينتفع بقراءة القرآن.
يوم يخرجون من الأجداث الأجداث القبور مطابقة هذا وما بعده للترجمة من حيث أن ذكر خروج بني آدم من القبور وبعثرة ما في القبور وإيفاضهم أي: إسراعهم إلى المحشر وهم ينسلون أي: يخرجون، كل ذلك من الموعظة. والأجداث جمع: جدث، وهو القبر. وقد قالوا: جدف، بالفاء موضع الثاء المثلثة إلا إنهم لم يقولوا في الجمع: أجداف، بالفاء وأشار بهذا إلى أن المراد من الأجداث في الآية: القبور، وقد وصله ابن أبي حاتم وغيره من طريق قتادة والسدي وغيرهما وفي (المخصص) قال الفارسي: اشتقاق الجدف بالفاء من التجديف، وهو كفر النعم، وفي (الصحاح): الجدث القبر والجمع أجدث وأجداث. وقال ابن جني: وأجدث، موضع، وقد نفى سيبويه أن يكون أفعل من أبنيه الواحد، فيجب أن يعد هذا مما فاته، إلا أن يكون جمع الجدث الذي هو القبر على أجدث، ثم سمى به الموضع، وفي (المجاز) لأبي عبيدة: بالثاء لغة أهل العالية، وأهل نجد يقولون: جدف، بالفاء.
بعثرت: أثيرت، بعثرت حوضي أي جعلت أسفله أعلاه أشار به إلى قوله تعالى: * (وإذا القبور بعثرت) * (الانفطار: 4). وأن معناه: أثيرت من الإثارة، وفي (الصحاح): قال أبو عبيدة: بعثر ما في القبور أثير وأخرج. وقال في (المجاز): بعثرت حوضي أي: هدمته. وفي (المعاني) للفراء: بعثرت وبحثرت: لغتان وفي (تفسير الطبري) عن ابن عباس: بعثرت بحثت. وفي (المحكم): بعثر المتاع والتراب قلبه، وبعثر الشيء فرقه، وزعم يعقوب أن عينها بدل من عين بعثر أو غين بدل منها، وبعثر الخبر بحثه. وفي (الواعي في اللغة): بعثرته إذا قلبت ترابه وبددته.
الإيفاض الإسراع الإيفاض، بكسر الهمزة، مصدر من أوفض يوفض إيفاضا، وأصل إيفاض أوفاض، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وأشار به إلى قوله تعالى: * (كأنهم إلى نضب يوفضون) * (المعارج: 34). وثلاثية: وفض من الوفض، وهو: العجلة.
وقرأ الأعمش إلى نصب إلى شيء منصوب يستبقون إليه والنصب واحد والنصب مصدر الأعمش هو سليمان. قوله: (إلى نصب)، بفتح النون كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: بالضم، والأول أصح، وهو قراءة الجمهور، وحكى الطبري أنه لم يقرأه بالضم إلا الحسن البصري وفي (المعاني) للزجاج: قرئت (نصب)، نصب، بضم النون وسكون الصاد، و: نصب، بضم النون والصاد، ومن قرأ: نصب ونصب، فمعناه كأنهم يوفضون إلى علم منصوب لهم، ومن قرأ: نصب، فمعناه إلى أصنام لهم، وكانت النصب الآلهة التي كانت تعبد من أحجار. وفي (المنتهى): النصب والنصب والنصب، بمعنى مثل: العمر والعمر والعمر، وقيل: النصب حجر ينصب فيعبد ويصب عليه دماء الذبائح، وقيل: هو العلم ينصب للقوم، أي: علم كان. وفي (المحكم): النصب جمع نصيبة، كسفينة وسفن، وقيل: النصب الغاية، ذكره عبد في تفسيره عن مجاهد وأبي العالية، وضعفه ابن سيده، وقال ابن التين: قرأ أبو العالية والحسن بضم النون والصاد، وقال الحسن فيما حكاه عبد في تفسيره: كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم سراعا أيهم يستلمها أولا لا يلوي أولهم على آخرهم. وقال أبو عبيدة: النصب بالفتح العلم الذي ينصب، ونصب بالضم جماعة مثل: رهن ورهن. قوله: (يوفضون) أي: يسرعون، وهو من الإيفاض كما مر، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم عن قرة عن الحسن في قوله: * (إلى نصب يوفضون) * (المعارج: 34). أي: يبتدرون أيهم يستلمه أول. قوله: (والنضب واحد والنصب مصدر) أشار بهذا إلى أن لفظ النصب يستعمل اسما
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»