عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٩١
ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا. وقال: هذا مذهب الشافعي ومالك وجمهور العلماء، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف فقال باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله)، ولم يذكر في الحديث كفارة، قلنا: لا يلزم من عدم ذكرها فيه نفي وجوب الكفارة، وقال ابن بطال في قوله: (ومن قتل نفسه بحديدة): أجمع الفقهاء وأهل السنة على أنه من قتل نفسه أنه لا يخرج بذلك من الإسلام، وأنه يصلى عليه وإثمه عليه، كما قال مالك، ولم يكره الصلاة عليه إلا عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، والصواب قول الجماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سن الصلاة على المسلمين ولم يستثن منهم أحدا فيصلى على جميعهم. قلت: قال أبو يوسف: لا يصلى على قاتل نفسه لأنه ظالم لنفسه فيلحق بالباغي وقاطع الطريق، وعند أبي حنيفة ومحمد: يصلى عليه لأن دمه هذر كما لو مات حتفه.
4631 وقال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم عن الحسن قال حدثنا جندب رضي الله تعالى عنه في هاذا المسجد فما نسينا وما نخاف أن يكذب جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان برجل جراح قتل نفسه فقال الله عز وجل بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة.
(الحديث 4631 طرفه في: 3643).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد ذكروا غير مرة، وهذا تعليق وصله في ذكر بني إسرائيل فقال: حدثنا محمد حدثنا حجاج بن منهال فذكره، وفي (التلويح): كذا ذكره عن شيخه بلفظ: قال، وخرجه في أخبار بني إسرائيل، فقال: حدثنا محمد حدثنا حجاج بن منهال، قال: وهو يضعف قول من قال: إنه إذا قال عن شيخه، وقال فلان، يكون أخذه عنه مذاكرة، ولفظه هناك: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقي الدم حتى مات، وعند مسلم من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي، ولفظه: (خرجت به قرحة فلما آذته انتزع سهما من كنانته فنكاها فلم يرق الدم حتى مات). وقال أبو عبد الله الحاكم محمد هذا هو الذهلي، قال الجياني: ونسبه أبو علي ابن السكن عن الفربري، فقال: حدثنا محمد بن سعيد حدثنا حجاج، وقال الدارقطني: قد أخرج البخاري عن محمد بن معمر وهو مشهور بالرواية، ثم رواه أبو علي عن حكيم بن محمد حدثنا أبو بكر بن إسماعيل حدثنا علي بن قديد حدثنا محمد بن علي بن محرز حدثنا حجاج فذكره.
ذكر معناه: قوله: (في هذا المسجد)، الظاهر أنه مسجد البصرة، قوله: (فما نسينا وما نخاف) ذكر هذا للتأكيد والتحقيق. قوله: (عن النبي)، ويروى: (عن النبي، صلى الله عليه وسلم) وهو ظاهر، لأنه يقال: كذب عليه، وأما رواية: عن، فعلى معنى النقل، قوله: (برجل جراح)، لم يعرف الرجل من هو، و: الجراح، بكسر الجيم، ويروى: (خراج)، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء، وهو في اصطلاح الأطباء: الورم إذا اجتمعت مادته المتفرقة في ليف العضو الورم إلى تجويف واحد، وقبل ذلك يسمى ورما وفي (المحكم) هو اسم لما يخرج في البدن، زاد في (المنتهى): من القروح. وفي (المغرب): الخراج، بالضم البثر الواحدة، خراجة، وزعم أبو موسى المديني أنه يجمع على خراجات وخرجات. وفي (الجمهرة) و (الجامع) و (الموعب): الخراج ما خرج على الجسد من دمل ونحوه وزعم النووي أن الخراج قرحة، بفتح القاف وإسكان الراء، وهي واحدة القروح، وهي حبات تخرج في بدن الإنسان. وفي (التلويح): ينظر فيه من سلفه فيه. قوله: (قتل نفسه)، أي: بسبب الجراح، وهي جملة وقعت صفة، ويروى: (فقتل). قوله: (بدرني)، معنى المبادرة: عدم صبره حتى يقبض الله روحه حتف أنفه، يقال: بدرني، أي: سبقني من بدرت إلى الشيء أبدر بدرا: إذا أسرعت: وكذلك: بادرت إليه. قوله: (حرمت عليه الجنة) معناه: إن كان مستحلا فعقوبته مؤبدة، أو معناه: حرمت قبل دخول النار، أو المراد من الجنة: جنة خاصة لأن الجنان كثيرة، أو هو من باب التغيظ، أو هو مقدر بمشيئة الله تعالى، وقيل: يحتمل أن يكون هذا الوعيد لهذا الرجل المذكور في الحديث، وانضم إلى هذا الرجل مشركه، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون كافرا، لقوله: (فحرمت عليه الجنة)، وفيه نظر من حيث إن الجنة محرمة على الكافر سواء قتل نفسه أو استبقاها، وعلى تقدير أن يكون كافرا، إنما يتأتى على قول من يقول: إن الكفار مطالبون
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»