3631 حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا خالد عن أبي قلابة عن ثابت ابن الضحاك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ومن قتل نفسه بحديدة عذب به في نار جهنم.
.
وجه المطابقة بين الحديث والترجمة ما ذكرناه.
ذكر رجاله: وهم خمسة تقدموا، وخالد هو الحذاء وأبو قلابة عبد الله بن زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الأشهلي من أصحاب بيعة الرضوان، وهو صغير، مات سنة خمس وأربعين.
وفيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن موسى بن إسماعيل وفي النذور عن معلى بن أسد وفي الأدب أيضا عن محمد بن بشار. وأخرجه مسلم في الأيمان عن يحيى بن يحيى وعن أبي غسان وعن إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور وعبد الوارث بن عبد الصمد وعن محمد بن رافع. وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن أبي توبة وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي عن إسحاق بن منصور وعن محمود بن خالد وعن قتيبة وعن محمد بن عبد الله، وأخرجه ابن ماجة في الكفارات عن محمد بن المثنى.
ذكر معناه: قوله: (بملة)، الملة الدين كملة الإسلام واليهودية والنصرانية، وقيل: هي معظم الدين، وجملة ما يجيء به الرسل. صورته أن يحلف بدين النصارى أو بدين ملة من ملل الكفرة. قوله: (كاذبا) حال من الضمير الذي في: حلف، أي: حال كونه كاذبا في تعظيم تلك الملة التي حلف بها، فيكون هذا الحال من الأحوال اللازمة كما في قوله تعالى: * (وهو الحق مصدقا) * (البقرة: 29، وفاطر: 13). لأن من عظم غير ملة الإسلام كان كاذبا في تعظيم ذلك دائما في كل حال، وفي كل وقت، ولا ينتقل عنه ولا يصلح أن يقال: إنه يعني بكونه كاذبا في المحلوف عليه، لأنه يستوي في حقه كونه صادقا أو كاذبا إذا حلف بملة غير الإسلام، لأنه إنما ذمه الشرع من حيث إنه حلف بتلك الملة الباطلة معظما لها على نحو ما يعظم به ملة الإسلام الحق، ولا فرق بين أن يكون صادقا أو كاذبا في المحلوف عليه. قوله: (متعمدا) أيضا حال من الأحوال المتداخلة أو المترادفة، قيد به لأنه إذا كان الحالف بذلك غير معتقد لذلك فهو آثم مرتكب كبيرة إذ قد تشبه في قوله بمن يعظم تلك الملة ويعتقدها، فغلظ عليه الوعيد بأن صير كواحد منهم مبالغة في الردع والزجر، كما قال تعالى: * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * (المائدة: 15). وقال القرطبي: قوله: (متعمدا)، يحتمل أن يريد به النبي صلى الله عليه وسلم من كان معتقدا لتعظيم تلك الملة المغايرة لملة الإسلام، وحينئذ يكون كافرا حقيقة، فيبقى اللفظ على ظاهره. قوله: (فهو كما قال)، قال ابن بطال: أي: هو كاذب لا كافر، ولا يخرج بهذه القصة من الإسلام إلى الدين الذي حلف به لأنه لم يقل ما يعتقده، فوجب أن يكون كاذبا، كما قال لا كافرا. قال: فإن ظن أن في هذا الحديث دليلا على إباحة الحلف بملة غير الإسلام صادقا لاشتراطه في الحديث أن يحلف به كاذبا، قيل له: ليس كما توهمت لورود نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله نهيا مطلقا، فاستوى في ذلك الكاذب والصادق. وقال الكرماني: قوله: (فهو كما قال) أي: فهو على ملة غير الإسلام، لأن الحلف بالشيء تعظيم له، ثم قال: الظاهر أنه تغليظ. قلت: حمله على هذا التفسير صرفه معنى قوله: كاذبا إلى المحلوف عليه، وقد ذكرنا أنه لا يصلح ذلك لاستواء كونه صادقا أو كاذبا إذا حلف بملة غير الإسلام، وقال ابن الجوزي إنما يحلف الحالف بما كان عظيما عنده، ومن اعتقد تعظيم ملة من ملل الكفر فقد ضاهى الكفار. انتهى. قلت: فقد كفر حقيقة والمضاهاة دون ذلك. قوله: (بحديدة) أراد به آلة قاطمة مثل السيف والسكين ونحوهما، والحديدة أخص من الحديد سمي به لأنه منيع، لأن أصله من الحد وهو المنع والجمع حدائد، وجاء في الشعر: الحديدات. قوله: (عذب به)، ويروى: (بها)، أي: بالحديدة، وأما تذكير الضمير فباعتبار المذكور، وإنما يعذب بها لأن الجزاء من جنس العمل.
ذكر ما يستفاد منه: احتج بالحديث المذكور أبو حنيفة وأصحابه على أن الحالف باليمين المذكور ينعقد يمينه وعليه الكفارة، لأن الله تعالى أوجب على المظاهر الكفارة، وهو منكر من القول وزور، والحلف بهذه الأشياء منكر وزور، وقال النووي: لا ينعقد بهذه الأشياء يمين، وعليه أن يستغفر الله ويوحده