عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٨١
نصب إما على البدلية أو على الاختصاص. قوله: (أشهد لك) أي: لخيرك. وفي لفظ: (أحاج لك بها عند الله تعالى). قوله: (أترغب؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار، أي: أتعرض؟ قوله: (يعرضها) بكسر الراء، قوله: (ويعودان بتلك المقالة). قال عياض وفي نسخة ويعيدان يعني: أبا جهل وعبد الله. وقال عياض أيضا في جميع الأصول. ويعود له بتلك المقالة، يعني: أبا طالب. ووقع في مسلم: (لولا تعيرني قريش يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع)، بالجيم والزاي، وهو الخوف، وذهب الهروي والخطابي فيما رواه عن ثعلب في آخرين أنه: بخاء معجمة وزاي مفتوحتين، ونبهنا غير واحد أنه الصواب، ومعناه: الضعف والخور. قوله: آخر ما كلمه) أي: في آخر تكليمه إياهم. قوله: (هو) إما عبارة أبي طالب، وإراد به نفسه، وإما عبارة الراوي، ولم يحك كلامه بعينه لقبحه، وهو من التصرفات الحسنة. قوله: (أما)، حرف تنبيه، وقيل: بمعنى حقا، قوله: (ما لم أنه)، على صيغة المجهول. قوله: (عنك)، هذه رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: (ما لم أنه عنه). أي: عن الاستغفار الذي دل عليه قوله: (لأستغفرن)، قوله: فأنزل الله فيه: * (ما كان للنبي..) * (التوبة: 311).
الآية أي: فأنزل الله في الاستغفار قوله تعالى: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * (التوبة: 311). الآية، أي: ما كان ينبغي له ولا لهم الاستغفار للمشركين. وقال الثعلبي: قال أهل المعاني: ما تأتي في القرآن على وجهين بمعني النفي كقوله: * (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) * (النحل: 06). * (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) * (آل عمران: 541). والآخر بمعنى النهي. كقوله: * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) * (الأحزاب: 35). وهي في حديث أبي طالب نهي، وتأول بعضهم الاستغفار هنا بمعنى الصلاة. وقال الواحدي: سمعت أبا عثمان الحيري سمعت أبا الحسن بن مقسم سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول في هذه الآية: أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب، وفي (معاني الزجاج): يروى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، عرض على أبي طالب الإسلام عند وفاته، وذكر له وجوب حقه عليه فأبى أبو طالب فقال صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك حتى أنهى عن ذلك، ويروى أنه استغفر لأمه. وروي أنه استغفر لأبيه، وأن المؤمنين ذكروا محاسن آبائهم في الجاهلية وسألوا أن يستغفروا لآبائهم لما كان من محاسن كانت لهم، فأعلم اا تعالى أن ذلك لا يجوز، فقال: * (ما كان للنبي والذين آمنوا..) * (التوبة: 311). الآية، وذكر الواحدي من حديث موسى بن عبيدة، قال: (أخبرنا محمد بن كعب القرظي قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها، قالت له قريش: أرسل إلى ابن أخيك يرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها يكون لك شفاء، فأرسل إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرمها على الكافرين: طعامها وشرابها، ثم أتاه فعرض عليه الإسلام، فقال: لولا أن نعير بها فيقال: جزع عمك من الموت لأقررت بها عينك) واستغفر له بعدما مات، فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قرابتنا، قد استغفر إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لأبيه، ومحمد صلى الله عليه وسلم لعمه، فاستغفروا للمشركين حتى نزلت * (ما كان للنبي والذين آمنوا) * (التوبة: 311). الآية، ومن حديث ابن وهب: حدثنا ابن جريج عن أيوب بن هانىء عن مسروق (عن عبد الله: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ينظر في المقابر ونحن معه، فتخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها، فناجاه طويلا، وفيه: (فجاء وله نحيب، فسئل، فقال: هذا قبر أبي). وفيه: (وإني استأذنت بعد ربي في زيارة أمي فأذن، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي)، وفيه: ونزل على * (ما كان للنبي) * (التوبة: 311). الآية، فأخذني ما يأخذ الوالد لولده من الرقة، فذلك الذي أبكاني). وفي كتاب (مقامات التنزيل) لأبي العباس الضرير: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك الوسطى، واعتمر، فلما هبط من عسفان أمر أصحابه أن يستندوا إلى العقبة حتى أرجع، فنزل على قبر أمه ثم بكى، فلما رجع سأل عن بكائهم، فقالوا: بكينا لبكائك، قال: نزلت على قبر أمي فدعوت الله ليأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى أن يأذن لي، فرحمتها فبكيت، ثم جاءني جبريل، عليه الصلاة والسلام فقال: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) * (التوبة: 411). الآية وفي تفسير ابن مردويه: عن عكرمة، وفي آخره: كانت مدفونة تحت كذا، وكانت عسفان لهم وبها ولد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العباس الضرير: وفي رواية الكلبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد استغفر إبراهيم لأبيه، وهو مشرك لأستغفرن لأمي. فأتى قبرها ليستغفر لها فدفعه جبريل، عليه الصلاة والسلام، عن القبر. وقال: * (ما كان للنبي) * (التوبة: 311). الآية. وفي تفسير ابن مردويه من حديث ابن بريدة عن أبيه، صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعسفان، وقال استأذنت في الاستغفار لآمنة، فنهيت فبكيت ثم عدت فصليت ركعتين، واستأذنت في الاستغفار لها فزجرت، ثم دعا ناقته فما استطاعته القيام لنقل الوحي، فأنزل الله * (ما كان للنبي) * (التوبة: 311). الآية،
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»