عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٨٣
ورأى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فسطاطا على قبر عبد الرحمان فقال انزعه يا غلام فإنما يظله عمله وجه إدخال أثر ابن عمر في هذه الترجمة من حيث إنه كان يرى أن وضع النبي صلى الله عليه وسلم الجريدتين على القبرين خاص بهما، وأن بريدة حمله على العموم، فلذلك عقب أثر بريدة بأثر عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وعبد الرحمن هو ابن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهما، بنيه ابن سعد في روايته له موصولا من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار. قال: مر عبد الله بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة، رضي الله تعالى عنهم، وعليه فسطاط مضروب، فقال: يا غلام إنزعه فإنما يظله عمه. قال الغلام: تضربني مولاتي. قال: كلا فنزعه. قوله: (انزعه) أي: إقلعه، وكان الغلام الذي خاطبه عبد الله غلام عائشة أخت عبد الرحمن. قوله: (فإنما يظله) أي: لا يظله الفسطاط، بل يظله العمل الصالح فدل هذا على أن نصب الخيام على القبر مكروه، ولا ينفع الميت ذلك، ولا ينفعه إلا عمله الصالح الذي قدمه، وتفسير الفسطاط قد مر مستوفى في: باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.
وقال خارجة بن زيد ورأيتني ونحن شبان في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه قيل: لا مناسبة في إدخال قول خارجة في هذا الباب، وإنما موضعه في: باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله، وكان بعض الرواة كتبه في غير موضعه، وقد تكلف طريق إلى كونه من هذا الباب، وهي الإشارة إلى أن ضرب الفسطاط إن كان لغرض صحيح كالتستر من الشمس مثلا للإحياء لا لإظلال الميت فقط، جاز، فكأنه يقول: إذا كان على القبر لغرض صحيح لا لقصد المباهاة جاز، كما يجوز القعود عليه لغرض صحيح لا لمن أحدث عليه، وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، أحد التابعين الثقات وأحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وصل هذا التعليق البخاري في (التاريخ الصغير) من طريق ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، سمعت خارجة فذكره. قوله: (رأيتني) بضم التاء المثناة من فوق، وكون الفاعل والمفعول ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب، والتقدير: رأيت نفسي، والواو في: (ونحن شبان) للحال، و: شبان، بضم الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة جمع: شاب. قوله: (وثبة) مصدر من: وثب يثب وثبا ووثبة، ومظعون، بظاء معجمة ساكنة وعين مهملة.
وقال عثمان بن حكيم أخذ بيدي خارجة فأجلسني على قبر وأخبرني عن عمه يزيد بن ثابت قال إنما كره ذالك لمن أحدث عليه الكلام في ذكر مناسبة هذا كالكلام في الذي قبله، وعثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي الأحملاني أبو سهل المدني، ثم الكوفي، أخو حكيم بن حكيم. وعن أحمد: ثقة ثبت وهو من أفراد مسلم، وهذا التعليق وصله مسدد في (مسنده) الكبير وبين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك، ولفظه: حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا عبد الله بن سرجس وأبو سلمة بن عبد الرحمن إنهما (سمعا أبا هريرة يقول: لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلى، أحب من أن أجلس على قبره. قال عثمان: فرأيت خارجة بن زيد في المقابر، فذكرت له ذلك فأخذ بيدي...) الحديث، وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة مرفوعا، فقال: حدثني زهير بن حرب، قال: حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر). وقال بعضهم: وروى الطحاوي من طريق محمد بن كعب، قال: إنما قال أبو هريرة: من جلس على قبر ليبول عليه، أو يتغوط، فكأنما جلس على جمرة، لكن إسناده ضعيف. قلت: سبخان الله ما لهذا القائل من التعصبات الباردة، فالطحاوي أخرج هذا عن أبي هريرة من طريقين، أحدهما هذا الذي ذكره هذا القائل أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم عن عبد الله بن وهب
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»