عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٧١
مكتوبة وقال الخطابي لا معنى للدخان هنا لأنه ليس مما يخبا في كف أو كم بل الدخ نبت موجود بين النخيل والبساتين وقال أبو موسى المديني في كتابه المغيث وقيل إن الدجال يقتله عيسى عليه الصلاة والسلام بجبل الدخان فيحتمل أن يكون أراده انتهى وقال صاحب التلويح وفيه نظر من حيث أنا وجدنا ما قاله تحرصا مسندا إلى سيدنا رسول الله من طريق صحيحة قال أحمد في مسنده حدثنا محمد بن سابق حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر فذكره مرفوعا مطولا قوله ' هو الدخ ' قال أبو موسى بضم الدال وفتحها لغتان وقال الكرماني بضم الدال وتشديد الخاء الدخان وهو لغة فيه وقال النووي المشهور في كتب اللغة والحديث ضمها فقط واعترض عليه بأن ابن سيده وأبا التياني وأبا المعالي وصاحب مجمع الغرائب حكوا الفتح حاشا الجوهري فإنه نص على الضم ولم يذكر غيره ورد عليه بأن حكاية هؤلاء الفتح لا يستلزم نفي الضم كما أن ذكر الجوهري الضم لا يستلزم نفي الفتح وقال القرطبي وجدته في كتاب الشيخ الدخ ساكن الخاء مصححا عليه وكأنه على الوقف قال وأما الذي في الشعر فمشدد الخاء وكذلك قراءته في الحديث وقال ابن قرقول الدخ لغة في الدخان لم يستطع ابن صياد أن يتم الكمة ولم يهتد من الآية الكريمة إلا لهذين الحرفين على عادة الكهان من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن أو من هو أجس النفس ولهذا قال له ' اخسأ فلن تعدو قدرك ' أي لست بنبي ولن تجاوز قدرك وإنما أنت كاهن فلن تجاوز يعني قدر الكهان قوله ' اخسأ ' في الأصل لفظ يزجر به الكلب ويطرد من خسأت الكلب خسأ طردته وخسأ الكلب نفسه يتعدى ولا يتعدى واخسأ أيضا وهو خطاب زجر واستهانة أي اسكت صاغرا مطرودا قوله ' فلن تعدو ' بالنصب بكلمة لن وقال السفاقسي وقع هنا فلن تعدو بغير واو وقال القزاز هي لغة لبعض العرب يجزمون بلن مثل لم وقال ابن مالك الجزم لمن لغة حكاها الكسائي وقيل حذفت الواو تخفيفا وقيل لن بمعنى لا أو لم بالتأويل وقال ابن الجوزي يعني لا يبلغ قدرك أن تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا من قبيل الإلهام الذي يدركه الصالحون وإنما كان الذي قاله من شيء ألقاه الشيطان إليه إما لكون النبي تكلم بذلك بينه وبين نفسه فسمعه الشيطان وإما أن يكون الشيطان سمع ما يجري بينهما من السماء لأنه إذا قضي القضاء في السماء تكلمت به الملائكة عليهم الصلاة والسلام فاسترق الشيطان السمع وإما أن يكون رسول الله حدث بعض أصحابه بما أضمر ويدل على ذلك قول عمر رضي الله تعالى عنه وخبأ له رسول الله * (يوم تأتي السماء بدخان مبين) * فالظاهر أنه أعلم الصحابة بما يخبأ له وإنما فعل ذلك به ليختبره عن طريقة الكهان وليتعين للصحابة حاله وكذبه قوله ' أن يكنه ' هذا الضمير المتصل في يكنه هو خبرها وقد وضع موضع المنفصل واسم يكن مستتر فيه ويروى إن يكن هو هو الصحيح لأن المختار في خبر كان هو الانفصال وعلى تقدير هذه الرواية لفظ هو تأكيد للضمير المستتر وكان تامة أو وضع هو موضع إياه أي إن يكن إياه أي الدجال قوله ' وإن لم يكنه ' أي وإن لم يكن هو دجالا فلا خير في قتله (ذكر ما يستفاد منه) وهو على وجوه. الأول اختلفوا في أن الدجال هو ابن صياد أو غيره فذهب قوم إلى أن الدجال هو ابن صياد قال مسلم في صحيحه باب في قصة ابن صياد وأنه الدجال حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لعثمان قال عثمان حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل ' عن عبد الله قال كنا مع رسول الله فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد ففر الصبيان وجلس ابن صياد فكان رسول الله كره ذلك فقال له النبي تربت يداك تشهد أني رسول الله فقال لا بل تشهد أني رسول الله فقال عمر بن الخطاب ذرني يا رسول الله حتى أقتله فقال رسول الله إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله ' وروى مسلم أيضا من حديث أبي سعيد قال ' لقيه رسول الله وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في بعض طرق المدينة فقال له أتشهد أني رسول الله فقال هو أتشهد أني رسول الله فقال رسول الله آمنت بالله وملائكته وكتبه ما ترى قال أرى عرشا على الماء فقال رسول الله ترى عرش إبليس على البحر وما ترى قال أرى صادقين وكاذبا أو كاذبين وصادقا فقال رسول الله لبس عليه دعوه ' ثم روى مسلم من حديث محمد بن المنكدر قال رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال فقلت له تحلف
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»