عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٥٥
قام عليه، وقال: لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطيور، ثم أتى بالقتلى فجعل يصلي عليهم فيوضع سبعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات، ثم يرفعون ويترك حمزة مكانه فيكبر عليهم سبع تكبيرات حتى فرغ منهم). وأخرجه الحاكم في (مستدركه) والطبراني في (معجمه) والبيهقي في (سننه) ولفظهم: (أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بحمزة يوم أحد فهيىء للقبلة ثم كبر عليه سبعا، ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة). زاد الطبراني: (ثم وقف عليهم حتى واراهم). وسكت الحاكم عنه. فإن قلت: قال الذهبي: يزيد بن أبي زياد لا يحتج به، وقال البيهقي: هكذا رواه يزيد بن أبي زياد، وحديث جابر: أنه لم يصل عليهم، أصح. وقال ابن الجوزي في (التحقيق): ويزيد بن زياد منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث. قلت: قال صاحب (التنقيح): الذي قالوه إنما هو في يزيد بن زياد، وأما راوي هذا الحديث فهو الكوفي، ولا يقال فيه: ابن زياد، وإنما هو: ابن أبي زياد، وهو ممن يكتب حديثه على لينه، وقد روى له مسلم مقرونا بغيره، وروى له أصحاب السنن، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه. وابن الجوزي جعلهما في كتابه الذي في الضعفاء واحدا، وهو وهم وغلط، ومما يؤيد حديث يزيد بن أبي زياد هذا ما رواه هشام في السيرة عن ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس (عن ابن عباس، قال: أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة). فإن قلت: قال السهيلي في (الروض الأنف): قول ابن إسحاق في هذا الحديث: حدثني من لا أتهم، إن كان هو الحسن بن عمارة كما قاله بعضهم فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث، وإن كان غيره فهو مجهول. قلت: نحن ما نجزم أنه الحسن بن عمارة، ولئن سلمنا أنه هو فنحن ما نحتج به، وإنما نستشهد به، ويكفي في الاستشهاد قول ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم به، ولو كان متهما عنده لما حدث عنه. وروى الطحاوي من حديث عبد الله بن الزبير، رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه، فكبر تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يصفون ويصلي عليهم وعليه معهم). وأخرجه ابن شاهين أيضا في كتابه من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن عبادة (عن عبد الله بن الزبير، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر سبعا). وقال البغوي: حفظي أنه قال: عن عبد الله بن الزبير، وروى الطحاوي أيضا من حديث أبي مالك الغفاري، قال: كان قتلى أحد يؤتى بتسعة وعاشرهم حمزة فيصلي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يحملون. ثم يؤتى بتسعة فيصلي عليهم وحمزة مكانه، حتى صلى عليهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم). ورواه أيضا الدارقطني (عن أبي مالك، قال: كان يجاء بقتلى أحد تسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم فيرفعون التسعة ويدعون حمزة، رضي الله تعالى عنه). وأخرجه البيهقي أيضا، ولفظه قال: (صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، على قتلى أحد عشرة عشرة، في كل عشرة منهم حمزة، حتى صلى عليه سبعين صلاة). وقال الذهبي في (مختصر السنن): كذا قال: ولعله سبع صلوات إذ شهداء أحد سبعون أو نحوها. وأخرجه أبو داود أيضا في المراسيل، وأبو مالك اسمه غزوان الكوفي، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في التابعين الثقات.
ولنا معاشر الحنفية أن نرجح مذهبنا بأمور. الأول: أن حديث عقبة الآتي ذكره مثبت وكذا غيره من الصلاة على الشهيد، وحديث جابر ناف والمثبت أولى. الثاني: أن جابرا كان مشغولا بقتل أبيه وعمه، على ما يجيء، فذهب إلى المدينة ليدبر حملهم، فلما سمع المنادي بأن القتلى تدفن في مصارعهم سارع لدفنهم، فدل على أنه لم يكن حاضرا حين الصلاة، على أن في (الإكليل): حديثا عن ابن عقيل (عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة، ثم جيء بالشهداء فوضعوا إلى جنبه فصلى عليهم). فالشافعية يحتجون برواية ابن عقيل ويوجبون بها التسليم من الصلاة. الثالث: ما روى أصحابنا أكثر مما رواه أصحاب الشافعي. الرابع: الصلاة على الموتى أصل في الدين وفرض كفاية فلا تسقط من غير فعل أحد بالتعارض، بخلاف غسله، إذ النص في سقوطه لا معارض له. الخامس: لو كانت الصلاة عليهم غير مشروعة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم كما نبه على الغسل. السادس: نتنزل ونقول كما قاله الطحاوي: لم يصل صلى الله عليه وسلم وصلى غيره. السابع: يجوز أنه: لم يصل عليهم في ذلك اليوم، لما حصل له من الجراحة وشبهها، ولا سيما من ألمه على حمزة وغيره، وصلى عليهم في يوم غيره لأنه لا تغير بهم كما جاء في صلاته عليهم بعد ثمان سنين. الثامن: قد روي أنه قد صلى على غيرهم. التاسع: ليس لهم أن يقولوا: يحمل قول عقبة: صلى عليهم، بمعنى استغفر، لقوله: صلاته
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»