عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٥٦
على الميت. العاشر: أن ما ذهب إليه أصحابنا أحوط في الدين، وفيه تحصيل الأجر. وقد قال، صلى الله عليه وسلم: (من صلى على ميت فله قيراط)، فلم يفصل ميتا من ميت، فإن قالوا: الصلاة لا تصح على الميت بلا غسل، فلما لم يغسل الشهيد لم تصح الصلاة، قلنا: ينبغي أن لا يدفن أيضا بلا غسل، فلما دفن الشهيد بلا غسل دل أنه في حكم المغسولين فيصلى عليه. فإن قالوا: الشهداء أحياء والصلاة إنما شرعت على الموتى؟ قلنا: فعلى هذا ينبغي أن لا يقسم ميراثهم ولا تتزوج نساؤهم وشبه ذلك، وإنما هم أحياء في حكم الآخرة لا في حكم الدنيا، والصلاة عليهم من أحكام الدنيا، كذا قاله في (المبسوط)، فإن قالوا: ترك الصلاة عليهم لاستغنائهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين، قلنا: لا يستغنى أحد عن الخير، والصلاة خير موضوع، ولو استغنى أحد من هذه الأمة لاستغنى أبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وكذلك الصغار، ومن هو في مثل حالهم. والتعليل بالتخفيف لا وجه له، لأنهم يسعون في تجهيزهم وحفر قبورهم، ونحو ذلك، فالصلاة أخف من هذا كله، فإن قالوا: إنكم لا ترون الصلاة على القبر بعد ثلاثة أيام، قلنا: ليس كذلك، بل تجوز الصلاة على القبر ما لم يتفسخ، والشهداء لا يتفسخون ولا يحصل لهم تغير. فالصلاة عليهم لا تمتنع أي وقت كان.
4431 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولاكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها.
.
مطابقته للترجمة من حيث إنها تحتمل مشروعية الصلاة على الشهيد من جهة عمومها.
ذكر رجاله: وهم خمسة تقدموا، وأبو الخير اسمه مرثد بن عبد الله اليزني، وعقبة، بضم العين وسكون القاف ابن عامر الجهني.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: أن رواته كلهم مصريون وهو معدود من أصح الأسانيد. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي. وفيه: أحدهم مذكور بالكنية.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن سعيد بن شرحبيل، وفي المغاوي عن محمد بن عبد الرحيم وعن قتيبة وفي ذكر الحوض عن عمرو بن خالد. وأخرجه مسلم في فضائل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن قتيبة به وعن أبي موسى. وأخرجه أبو داود في الجنائز عن قتيبة به مختصرا وعن الحسن بن علي. وأخرجه النسائي فيه أيضا عن قتيبة به.
ذكر معناه: قوله: (فصلى على أهل أحد)، وهم الذين استشهدوا فيه، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث. قوله: (صلاته على الميت) أي: مثل صلاته على الميت، وهذا يرد قول من قال: إن الصلاة في الأحاديث التي وردت محمولة على الدعاء، وممن قال به ابن حبان والبيهقي والنووي، حتى قال النووي: المراد من الصلاة هنا الدعاء، وأما كونه مثل الذي على الميت فمعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى. قلت: هذا عدول عن المعنى الذي يتضمنه هذا اللفظ، لأجل تمشية مذهبه في ذلك، وهذا ليس بإنصاف. وقال الطحاوي: معنى صلاته صلى الله عليه وسلم لا يخلو من ثلاثة معان: أما أن يكون ناسخا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سننهم أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة، أو تكون الصلاة عليهم جائزة، بخلاف غيرهم، فإنها واجبة، وأيها كان فقد تثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء. وقال بعضهم: غالب ما ذكره بصدد المنع لأن صلاته عليهم تحتمل أمورا. منها: أن تكون من خصائصه. ومنها: أن يكون المعنى: الدعاء، ثم هي واقعة عين لا عموم فيها، فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد تقرر؟ ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره؟ انتهى. قلت: كل ما ذكر هذا القائل ممنوع، لأن قوله: منها أن تكون من خصائصه، وإثبات الخصوصية بالاحتمال
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»