لا يصح، لأن الاحتمال الناشئ من غير دليل لا يعتبر ولا يعمل به، وقوله: ومنها أن يكون المعنى الدعاء، يرده لفظ الحديث ويبطله، وقوله: وهي واقعة عين لا عموم فيها، كلام غير موجه لأن هذا الكلام لا دخل له في هذا المقام، وقوله: لدفع حكم تقرر، لا ينتهض دليلا له لدفع خصمه لأنه لا يعلم ما هذا الحكم المقرر. وقوله: ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني، كلام واه لأنه ما ادعى أن أحدا من العلماء قال به حتى ينكر عليه، وإنما ذكره بطريق الاستنباط من لفظ الحديث. قوله: (ثم انصرف إلى المنبر)، ولفظ مسلم: (ثم صعد المنبر، كالمودع للأحياء والأموات، فقال: إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة...) وفي آخره: (قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر). قوله: (إني فرط لكم)، بفتح الفاء والراء، وهو الذي يتقدم الواردة ليصلح لهم الحياض والدلاء، ونحوهما، ومعنى: (فرطكم) سابقكم إليه كالمهيىء له. قوله: (وأنا شهيد عليكم) أي: أشهد لكم. قوله: (مفاتيح الأرض) جمع: مفتاح، ويروى: (مفاتح الأرض)، بدون الياء فهو جمع مفتح على وزن مفعل بكسر الميم، قوله: (لأنظر إلى حوضي) هو على ظاهره، وكأنه كشف له عنه في تلك الحالة. قوله: (ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي) معناه: على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من البعض، والعياذ بالله تعالى. قوله: (أن تنافسوا)، من المنافسة، وهي الرغبة في الشيء والانفراد به، وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه، ونافست الشيء منافسة ونفاسا: إذا رغبت فيه.
ذكر ما يستفاد منه: قال الخطابي: فيه أنه صلى الله عليه وسلم قد صلى على أهل أحد بعد مدة، فدل على أن الشهيد يصلى عليه كما يصلى على من مات حتف أنفه، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأول الخبر في ترك الصلاة عليهم يوم أحد على معنى اشتغاله عنهم وقلة فراغه لذلك، وكان يوما صعبا على المسلمين، فعذروا بترك الصلاة عليهم. وفيه: أن الحوض مخلوق موجود اليوم وأنه حقيقي. وفيه: معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث نظر إليه في الدنيا وأخبر عنه. وفيه: معجزة أخرى أنه أعطى مفاتيح خزائن الأرض وملكتها أمته بعده. وفيه: أن أمته لا يخاف عليهم من الشرك، وإنما يخاف عليهم من التنافس، ويقع منه التحاسد والتباخل. وفيه: جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم الشيء وتوكيده.
37 ((باب دنن الرجلين والثلاثة في قبر واحد)) أي: هذا باب في بيان جواز دفن الرجلين الميتين والثلاثة من الرجال في قبر واحد، قيل: لو قال: باب دفن الشخصين والثلاثة، لكان أحسن ليتناول النساء. قلت: النساء تبع للرجال في الأحكام، إلا إذا خصصت بشيء منها.
5431 حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا الليث قال حدثنا ابن شهاب عن عبد الرحمان ابن كعب أن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد.
.
مطابقته للترجمة في دفن الرجلين في قبر واحد ظاهرة، وليس في حديث الباب لفظ: الثلاثة، وإنما ذكره على عادته بالإشارة إلى ما ورد من لفظ الثلاثة، ولكنه لما لم يكن على شرطه لم يورده، وهو ما رواه الكجي في (سننه) عن ابن عباس، وقد ذكرناه في الباب السابق، وروى أبو داود من حديث أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمزة، رضي الله تعالى عنه، وقد مثل به..) الحديث، وفيه: (فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد) زاد قتيبة: (ثم يدفنون في قبر واحد).
وأخرجه الترمذي وقال: غريب، وقيل: ذكر الثلاثة بالقياس وفيه نظر لأنه لو كان بالقياس لكان يقول: باب دفن الرجلين وأكثر في قبر واحد.
ذكر رجاله: وهم خمسة: سعيد بن سليمان الملقب بسعدويه البزار، مر في: باب الماء الذي يغسل به الشعر، في كتاب الوضوء. والليث بن سعد، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، و عبد الرحمن ابن كعب مر في أول الباب السابق.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: