عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٥٠
بقوله: (إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر)، ولو أراد بيانه لبين صريحا. وقال ابن عباس: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما ال 1764; هين من دون الله تعالى، وقال ابن إسحاق: لم يطلع على قبر موسى، عليه الصلاة والسلام إلا الرخمة، وهي التي أطلعت على قبر هارون لما دفن في التيه، فنزع الله تعالى عقلها لئلا تدل عليه، ومعنى عقلها: إلهامها.
الثاني: أنه بباب لد بالبيت المقدس، وقال الطبري: هو الصحيح. قلت: كيف يكون هو الصحيح، وقد قال ابن عباس ووهب وعامة العلماء: إنه بأرض التيه.
الثالث: أن قبره ما بين عالية وعويلة، ذكره الحافظ أبو القاسم في (تاريخ دمشق) فقال، وروي: أن قبر موسى بين عالية وعويلة وهما محلتان عند مسجد القدم، ويقال: إن قبره رئي في المنام فيها. قال: والأصح أنه بتية بني إسرائيل.
الرابع: أن قبره بواد في أرض مآب بين بصرى والبلقاء.
الخامس: أن قبره بدمشق، ذكره الحافظ أبو القاسم عن كعب الأحبار، وذكر ابن حبان في (صحيحه) أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبين المقدس واعترض عليه الضياء محمد بن عبد الواحد في كتابه (علل الأحاديث) بأن مدين ليست قريبة من القدس ولا من الأرض المقدسة، وقد اشتهر أن قبره بأريحا وهي من الأرض المقدسة مرار، ويقال: إنه قبر موسى صلى الله عليه وسلم وعنده كثيب أحمر، كما في الحديث، وطريق، والدعاء عنده مستجاب.
قوله: (إلى جانب الطور) ذكر ياقوت في (كتاب المشترك) أن الطور سبعة مواضع: منها: جبل بيت المقدس يقال له طور زيتا، وفي الأثر: مات بطور زيتا سبعون ألف نبي قتلهم الجوع وهو شرقي وادي سلوان، ومنها: طور هارون، علم لجبل عال مشرف من قبلي بيت المقدس فيه فيما قيل قبر هارون أخي موسى، عليه الصلاة والسلام، والظاهر أن الطور المذكور هو أحد الطورين المذكورين، ولكن الأقرب أنه: طور زيتا، والله أعلم. قوله: (عند الكثيب الأحمر)، هو الرمل المجتمع.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: دلالة ظاهرة على أن لموسى، عليه الصلاة والسلام، منزلة كبيرة حيث فقأ عين ملك الموت ولم يعاتبه عليه. وفيه: استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والقرب من مدافن الصالحين. وفيه: أن للملك قدرة على التصور بصورة غير صورته. وفيه: في قوله: (يضع يده على متن ثور) دلالة على أن الدنيا بقي منها كثير، وإن كان قد ذهب أكثرها. وفيه: دلالة على الزيادة في العمر مثل الحديث الآخر: (من سره أن يبسط رزقه وينسأ في أثره فليصل رحمه)، وهو يؤيد قول من قال في قوله تعالى: * (وما يعمر من معمر...) * (فاطر: 11). الآية، أنه زيادة ونقص في الحقيقة.
96 ((باب الدفن بالليل)) أي: هذا باب في بيان مشروعية دفن الميت في الليل، وإنما لم يفسر الجواز بل أطلق الترجمة لمكان الاختلاف فيه، فذهب الحسن البصري وسعيد بن المسيب وقتادة وأحمد في رواية إلى كراهة دفن الميت بالليل، واحتجوا في ذلك بحديث جابر، رضي الله تعالى عنه، أخرجه أحمد والطحاوي، قال: (إن رجلا من بني عذرة دفن ليلا ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فنهى عن الدفن بالليل، وروى الطحاوي من حديث نافع عن ابن عمر قال: (لا تدفنوا أمواتكم بالليل). وقال ابن حزم: لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة، وكل من دفن ليلا منه صلى الله عليه وسلم ومن أزواجه وأصحابه، رضي الله تعالى عنهم، فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك من خوف زحام أو خوف الحر على من حضر وحر المدينة شديد، أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا، لا يحل لأحد أن يظن بهم خلاف ذلك، وذهب النخعي والزهري والثوري وعطاء وابن أبي حازم ومطرف ابن عبد الله وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في الأصح وإسحاق إلى أن دفن الميت بالليل يجوز، واحتجوا بحديث الباب، وبما رواه أبو داود من حديث عمرو بن دينار، قال أخبرني: جابر بن عبد الله أو سمعت جابر بن عبد الله، قال: (رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر). وقال الطحاوي: النهي في حديث جابر المذكور ليس لأجل كراهة الدفن بالليل، ولكن لإرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على جميع المسلمين، لما يكون لهم في ذلك من الفضل والخير ببركة صلاته عليهم، لأنه قال في حديث يزيد بن
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»