عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٤٤
قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وفي رواية ابن حبان: (أتدرون فيمن أنزلت هذه الآية: * (فإن له معيشة ضنكا) * (طه: 421). هو عذاب الكافر في القبر، يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا. أتدرون ما التنين؟ هو تسعة وتسعون حية، لكل حية تسعة أرؤس ينفخن له ويلسعنه إلى يوم القيامة).
ذكر معناه: قوله: (العبد)، أي: العبد المؤمن المخلص. قوله: (وتولى)، أي: أعرض وذهب أصحابه، وهو من باب تنازع الذهاب. وقال ابن التين: إنه كرر اللفظ والمعنى واحد. قلت: لا نسلم أن المعنى واحد، لأن التولي هو الإعراض، ولا يستلزم الذهاب. وقال بعضهم: رأيت أن لفظ: تولى، مضبوطا بخط معتمد على صيغة المجهول أي: تولى أمره أي: الميت. قلت: لا يعتمد على هذا، والمعنى ما ذكرناه. قوله: (قرع نعالهم) أي: نعال الناس الذين حول قبره من الذين باشروا دفنه وغيرهم، وقرع النعال: صوتها عند المشي، والقرع في الأصل الضرب، فكأن أصحاب النعال إذا ضربوا الأرض بها خرج منها صوت. قوله: (ملكان )، وهما المنكر والنكير، كما فسر في حديث أبي هريرة وغيره، وإنما سميا بهذا الاسم لأن خلقهما لا يشبه خلق الآدميين، ولا خلق الملائكة ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام، بل لهما خلق بديع، وليس في خلقتيهما أنس للناظرين إليهما، جعلهما الله تكرمة للمؤمن لتثبته وتبصره، وهتكا لستر المنافق في البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب، وسميا أيضا: فتانأ القبر، لأن في سؤالهما انتهار، أو في خلقهما صعوبة. وقال ابن الجوزي بسند ضعيف: ناكور وسيدهم رومان. قوله: (فأقعداه) أي: أجلساه. قال الكرماني، رحمه الله تعالى: وهما مترادفان، وهذا يبطل قول من فرق بينهما، بأن القعود هو عن القيام، والجلوس عن الاضطجاع. قلت: استعمال الإقعاد موضع الإجلاس لا يمنع الفرق المذكور. قوله: (في هذا الرجل محمد؟) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: (محمد) بالجر عطف بيان عن الرجل، ويجوز أن يكون بدلا فإن قلت: هذه عبارة خشنة ليس فيها تعظيم ولا توقير؟ قلت: قصد بها الامتحان للمسؤول لئلا يتلقن تعظيمه عن عبارة القائل، ثم يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت. قوله: (فيقال)، يحتمل أن يكون هذا القول من المنكر والنكير، ويحتمل أن يكون من غيرهما من الملائكة. قوله: (فيراهما) أي: المقعدين اللذين أحدهما من الجنة والآخر من النار. قوله: (أو المنافق) شك من الراوي، والمراد بالمنافق الذي يقر بلسانه ولا يصدق بقلبه، وظاهر الكلام وهو قوله: (لا أدري كنت أقول كما يقول الناس)، يشمل الكافر والمنافق، ولكن الكافر لا يقول ذلك فيتعين المنافق، كما في رواية الترمذي. قوله: (لا دريت) قال الداودي: أي: لا وقفت في مقامك هذا ولا في البيت. قوله: (ولا تليت) قال الخطابي: هكذا يرويه المحدثون وهو غلط، والصواب: ايتليت، على وزن: افتعلت، من قولك: ما ألوته أي: ما استطعته. ويقال: لا آلو كذا، أي: لا استطيعه. قلت: وكذا قال ابن السكيت: قولهم لا دريت ولا ايتليت، هو افتعلت من قولك: ما ألوت هذا، أي: ما استطعته من الإيالو، أي: قصر، أو: فلان لا يألوك نصحا، فهو آل، والمرأة: آلية، وجمعها: أوال، ويقال أيضا: إلى يؤلى تالية إذا قصر، وأبطأ. وقال ابن قرقول: قيل: معناه لا تلوت يعني القرآن، أي: لم تدر ولم تتل. أي: لم تنتفع بدرايتك ولا بتلاوتك، كما قال: * (فلا صدق ولا صلى) * (القيامة: 13). قيل: معناه لا اتبعت الحق. قاله الداودي. وقيل: لا اتبعت ما تدري، قاله القزاز. وقال ابن الأنباري: تليت غلط والصواب: أتليت، بفتح الهمزة وسكون التاء: يدعو عليه بأن تتلى إبله أي: لا يكون لها أولاد تتلوها. أي: تتبعها. وقال ابن سراج: هذا بعيد في دعاء الملكين للميت، وأي مال له؟ وقال القاضي: لعل ابن الأنباري رأى أن هذا أصل هذا الدعاء، ثم استعمل في غيره كما استعمل غيره من أدعية العرب. انتهى. قلت: ابن الأنباري لم يذكر الملكين، وإنما بين الصواب من الخطأ في هذه المادة، وقوله بأن لا تتلى إبله من: اتليت الناقة، إذا تلاها ولدها، وقال الجوهري: ومنه قولهم: لا دريت ولا اتليت، يدعو عليه بأن لا تتلى إبله، أي: لا يكون لها أولاد. وتلو الناقة ولدها الذي يتلوها، وقال ثعلب: لا دريت ولا تليت، أصله: ولا تلوت، فقلبت الواو ياء لازدواج الكلام. قلت: هذا أصوب من كل ما ذكروه في هذا الباب، والدليل عليه أن هذه اللفظة جاءت هكذا في حديث البراء في مسند أحمد: (لا دريت ولا تلوت)، أي: لم تتل القرآن فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك، وقال الزمخشري: معناه: ولا أتبعت الناس بأن تقول شيئا يقولونه. وقيل: لا قرأت فقلبت الواو ياء للمزاوجة أي: ما علمت بنفسك بالاستدلال، ولا اتبعت العلماء بالتقليد
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»